مشاركة المرأة في العمل السياسي ليست ترفاً

 في عموم المجتمعات الإنسانية، عانت المرأة وما زالت من تناقضات كبيرة على صعيد الأسرة والتربية والاقتصاد والدين والسياسة، نتيجة ثقافة مجتمعية قائمة على منظومة من القيم والمعتقدات والعادات والمعايير والقوانين التي ساهمت بشكل خاص في تدني مشاركة المرأة في الحياة العامة، وأيضاً نتيجة لعدم حصولها أو عدم تمتعها بالقوة والدخل والثروة والمكانة الاجتماعية، مما أدى إلى اللاّمساواة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.

ونتيجة للتطورات التي شهدتها المجتمعات الإنسانية، والتغيير في مفاهيم التنمية والبيئة الإقليمية والعالمية، فقد أدى ذلك إلى تغيير في مجالات الحياة الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية، مما أسهم في إصلاحات وتحولات قانونية وسياسية ساهمت في مشاركة المرأة ودخولها مجالات العلم والعمل الذي مكّنها من الانخراط في الشأن العام وتعميم ثقافة المساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية، ونشر ثقافة المشاركة في الحياة السياسية، والعمل على تعديل القوانين المجحفة في حقها.

فكان لابد من تفعيل مشاركة المرأة في العمل السياسي، بالعمل على تغيير الأدوار النمطية والذهنية السائدة لتمكينها من الحصول على حقوقها وممارستها والمساهمة في إدارة المجتمع وتوجيهه وصولاً إلى العدالة الاجتماعية. فالمشاركة السياسية حق من حقوق المواطنين كافة، عن طريق التصويت في الانتخابات أو الترشح أو الانتساب إلى الأحزاب السياسية أو غيرها.

فكان طموح المرأة وكفاحها للوصول إلى مراكز صنع القرار سواء وزارياً أم نيابياً أم نقابياً أو حزبياً أنتج ما سمي (الكوتا: الحصة)، وهو تدبير مؤقت لردم هوة اللاّمساواة بين النساء والرجال، تحصل بموجبه النساء على مقاعد أكبر كحق من حقوقها الدستورية التي كفلتها المواثيق والعهود الدولية.

وقد تبنّت سورية شكلاً من أشكال الكوتا النسائية، إذ أقر الدستور السوري لعام 2012 مواد تتعلق بالمرأة بشكل خاص، ومنها المادتان 20 و33 ، وأيضاً أكدت المادة 23 منه على (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكامنة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع).

وأيضاً قانون الانتخاب في سورية الذي منح المرأة حق الانتخاب والترشح منذ عام 1949 مما أتاح لها دخول المعترك السياسي الذي فتح لها المجال لتكون عضواً في مجلس الشعب وفي الإدارة المحلية والخارجية والقضائية.

 ورغم النص الدستوري الذي ساوى في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وأكّد أهمية مشاركة المرأة في مناحي الحياة كافة، إلاّ أن هذه المعطيات الإيجابية تناقضت مع قانون الأحوال الشخصية والعقوبات والجنسية، وهذه العقبات القانونية جعلت الفجوة كبيرة تعيق وصول المرأة إلى مراكز القرار، وكذلك هناك عقبات بنائية وثقافية تمنع تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وأيضاً لعدم امتلاك المرأة للقوة والسلطة السياسية، وبالتالي الفرص السياسية لها محدودة، إذ ما تزال المرأة ذات تمثيل ضعيف يقتصر فيه دورها على الدور الأسري والاجتماعي على الرغم من المؤهلات العلمية والعملية والوعي وامتلاك الكفاءة والقدرات الضرورية للعمل،

وعلى الرغم من أهمية مشاركتها في الحياة السياسية لإتمام العملية الديمقراطية للوصول إلى مجتمعٍ راقٍ متمدن، وأيضاً على الرغم من دعم الحكومة ومساندتها لقضاياها وإدماجها في عملية التنمية الوطنية بكل أشكالها، فقد بقيت تحتل الأعمال التي تقع في المراتب الدنيا من الهرم الوظيفي للمؤسسات، ولم تستطع تبوّؤ مراكز القرار لعدم ظهور عناصر نسوية فاعلة ومؤثرة وداعمة لمطالب النساء، وذلك بسبب النظام الاجتماعي الذي مازال متأثّرا بالقيم التقليدية القائمة على الانتقاص من شان المرأة وترسيخ تبعيتها بسبب سطوة المجتمع الذكوري، وكذلك لغياب الخطط والبرامج الواضحة للمشاركة في العملية السياسية، وتقاعس المنظمات النسائية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني عن تحسين حضور المرأة السياسي لتولي المواقع القيادية.

فلابد من آلية لرصد التشريعات والمواد التمييزية ضد المرأة، ومتابعتها وتصويبها في إصلاح المجتمع، لضمان مشاركة حقيقة للمرأة وليست رقمية، وصولاً إلى بناء مجتمع حضاري فكرياً وثقافياً وفنياً وإنسانياً لإحلال السلام والمستقبل المشرق.

العدد 1104 - 24/4/2024