العدالة في حق الانتخاب

 يستمد الفرد شعوره بانتمائه إلى الجماعة، من خلال إتاحة الفرصة له كي يقوم بواجباته، بصفته عضواً من أعضائها، وشعوره بالمساواة في الحقوق والواجبات المترتبة عليه. فالمساواة ركيزة أساسية للحقوق والحريات العامة، ودعامة من دعامات المجتمع، وميزان للعدل والإنصاف حضّت عليها الأديان السماوية والمواثيق الدولية. وتُعتبر المساواة من أهم المبادئ التي تنبني عليها دولة القانون التي تحمي الحريات وحقوق الإنسان، وتحترم إرادة الشعب وتكرّس سيادته على أسس ديمقراطية، فتتجلى علاقة الأفراد بمؤسسات الدولة في مشاركتهم الفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه المشاركة حق وطني ترتّب على الفرد حقوقاً وواجبات.

فالانتخابات والاستفتاءات هي شكل من أشكال المشاركة التي تعكس سيادة الشعب، وتعبّر عن المواطنة، إذ يكون الشعب مصدراً لجميع السلطات، ومن خلالها يمارس حقه السياسي. فالنظام السياسي للدولة يقوم ،حسب المادة 8 من الدستور السوري، على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديموقراطياً عبر الاقتراع. وأيضاً نصت المادة49 على أن:(الانتخاب والاستفتاء حق للمواطنين وواجب عليهم وتنظم ممارستهما بقانون). فحق الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء نص صريح من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم.

وقد أقرّ المشرّع هذا الحق أيضاً ونظّمه في قانون الانتخابات رقم 5 لعام ،2014 إذ نص في المادة 3 منه على(الانتخاب والاستفتاء حق لكل مواطن وواجب عليه متى توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون لممارستهما…). فقد نص الدستور والقانون على تنظيم عملية الانتخاب والترشيح ووضع لها ضوابط ومحددات يمارس المواطنون دورهم من خلالها في السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع عبر المجالس المنتخبة ديموقراطياً.

وانطلاقاً من مبدأ المواطنة التي تستلزم المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، لا يجوز تقييد حق الانتخابات أو الترشيح، ولا الانتقاص منه، إلاّ لمبرر قانوني، وأيُّ حرمان من هذا الحق فيه إهدار لأصل الحقوق السياسية واعتداء عليها وقيد على ممارستها، وهذا الحرمان تأباه العدالة ويخالف مفهوم الدولة القانونية، متى توافرت فيه الشروط التي نصت عليها المادة 4 من قانون الانتخابات: (يتمتع بحق الانتخاب أو الاستفتاء كل مواطن أتم الثامنة عشرة من عمره ما لم يكن محروماً من هذا الحق أو موقوفاً عنه وفقاً لأحكام هذا القانون. يُحرم من حق الانتخابات أو الاستفتاء: المحجور عليه طيلة مدة الحجر- المصاب بمرض عقلي مؤثر في أهليته طيلة مدة مرضه- المحكوم عليه بجناية أو جنحة شائنة أو مخلّة بالثقة العامة بمقتضى حكم مبرم، ما لم يرد إليه اعتباره وفقاً للقانون). وهذا الحرمان عقوبة لمن أخلّ بقواعد المجتمع وأساء لحريات الأفراد وحقوقهم.

نصت المادة 6 من قانون الانتخابات على:(يوقف حق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشعب أو عضوية مجالس الإدارة المحلية عن عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي طيلة وجودهم في الخدمة). فالحرمان هنا مؤقت ويتعارض مع الحق في العمل وتقليد الوظائف وتكافؤ الفرص الذي كفله الدستور أيضاً، وبالتالي فإن حرمان عسكريي الجيش وقوى الأمن طوال مدة خدمتهم من ممارسة حقوقهم السياسية رغم أهليتهم لمباشرتها فيه انتقاص للسيادة الشعبية، وإهدار لمبدأ المواطنة، وحرمانهم من المشاركة في الحياة العامة كواجب وطني فيه انتقاص من حقوقهم.

إضافة إلى ذلك، وضماناً لسير عملة الانتخابات بشكل نزيه، لا بد من توفر شروط وضمانات حتى يتمكن كل المواطنين من التعبير عن إرادتهم بكل حرية وشفافية، وتفعيل دورهم السياسي باختيار مرشحهم الأفضل والأقدر على ملامسة الواقع وهموم المواطن، وتعديل قانون الانتخاب ليتناسب مع التطور السريع والمذهل في مجريات الأحداث في سورية، فالمشاركة في الانتخابات حق وواجب وصمود وحماية للوطن، لذلك يجب إزالة جميع العوائق التي تحد من مشاركة جميع الأفراد في الانتخابات، وإزالة أي عرقلة للحرية والتعبير عن الرأي، ومراقبة عمليات الانتخابات لحمايتها من أي غش أو تدليس أو رشوة أو تزوير لوثائقها ونتائجها، والحفاظ على سرية التصويت دون إكراه أو إغراء، والحفاظ أيضاً على التعبير الحر عن إرادة الناخبين حتى لا يسيطر الإعلام والمال على اللعبة الانتخابية.

العدد 1104 - 24/4/2024