فوضى التفاعل البشري في عصر الإنترنت

رافق تطور الحياة البشرية تطور في وسائل البحث والاكتشاف، وتغيير في نمط الحياة، ونتيجة لاتساع حجم المجتمعات وازدياد الطلب على المعلومات والخدمات، التي هي مورد أساسي للنشاط البشري وعنصر مهم في علاقة هذه المجتمعات فيما بينها.

وساهم ذلك في تطور الاتصالات والانفجار المعرفي الذي فتح مجالات عديدة وجديدة أدت إلى تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية، صاحبه ثورة في المعلومات وانتشار التقنيات الحديثة الالكترونية للاتصالات وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع، التي ساعدت على تعميم الثقافة والمعرفة وأثرت في منظومة القيم والأخلاق التي تُكوّن سلوك الفرد، مما انعكس على حركة المجتمع المادية والفكرية والروحية، والمثل والقيم والمعايير وأنماط الحياة وطرائقها، مخالفة بذلك القواعد والضوابط المستمدة من التشريع الإلهي وعادات المجتمع وتقاليده وأعرافه.

فشبكات التواصل الاجتماعي احتلت مساحة من فكر رواده واهتمامهم بمختلف مستوياتهم المعرفية أو الوجدانية أو السلوكية، وسواء كان ذلك للإفادة العلمية أو للتسلية، مظهرة قيم المجتمع وثقافاته وأساليب معيشة أفراده وقضاياهم الأساسية. وهذا ما أدى إلى ظهور جرائم الإنترنت وما تسببه من فرقة وأعمال عنف في المجتمع والتي لم يكن لها رادع قانوني ولاأخلاقي، نظراً لنقص التشريعات، ذلك أن التغيرات تسبق دائما التشريع مما يسبب فوضى وخللاً في تركيبة المجتمع، وبالتالي قصور القانون عن ملاحقة الأشخاص الذين يسيئون استخدام شبكات الإنترنت، وذلك بانتهاك الحقوق الخاصة والعامة، التي يعتبر الاعتداء عليها جرماً يستحق صاحبه العقاب، من حيث انتحال الشخصية والتشهير والتحايل والابتزاز والكذب والتزوير والسب والقذف والسرقة والأعمال المنافية للآداب، ونشر أفكار هدامة داخل المجتمع.

وبذلك يتم الاعتداء على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور السوري لعام 2012 في أكثر من مادة، فقد كفل الدستور بالمادة 35 الحماية القانونية للحياة الخاصة للأفراد. وكذلك أكّدَ في المادة 37 منه على سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها مكفولة وفق القانون. وأيضاً نص في المادة 42 (2-لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة) وما نص عليه في المادة 54 (كل اعتداء على الحرية الشخصية أو على حرمة الحياة الخاصة أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور يعد جريمة يعاقب عليها القانون).

فالتجاوزات والإساءات تحتم أهمية وضرورة التنظيم القانوني، وذلك بسن قوانين وتشريعات لتواكب التطور التكنولوجي لمكافحة الجريمة الإلكترونية، ليحفظ حق الناشر والقارئ وحفظ القيم الاجتماعية والنظام العام ولرفع مستوى التواصل، وبذلك يتحدد الإطار القانوني الذي يحافظ على خصوصية الأفراد وأمنهم واحترام حقوقهم، فالضوابط الأخلاقية والتشريعية التي يلتزم بها الأفراد عبر شبكات التواصل تحصنهم

أمام كل ما يجردهم من انتمائهم وأصولهم، ومن السلوكيات المستوردة ومن الغزو الثقافي المخالف لثقافتنا، فالمشكلة تتمثل في فكر مستخدميها والقائمين عليها. لذلك نحتاج إلى تربية صحيحة وتوعية بأسلوب التعامل مع شبكات التواصل وإعطاء الدور للمجتمع المدني والإعلام في نشر الوعي للأفراد وتحمّلهم مسؤولية الاستخدام وذلك بنشر ثقافة الإبداع والابتكار واحترام القيم والحوار والآراء المخالفة وصولاً إلى مجتمع قوي متماسك قادر على مواجهة الأخطار والقيم الوافدة.

العدد 1102 - 03/4/2024