صمت مع التحرش

 وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن همُ ذهبَت أخلاقُهم ذهبوا

 فالقيم الأخلاقية منبع الرقي والحضارة الإنسانية وهي السبيل للحفاظ على الذات الإنسانية من التهلكة وتحتم على الإنسان احترام حقوق الآخرين سواء المتعلقة بالمعتقد الديني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو المعتقد السياسي أو اللباس أو الطعام. وأي انحراف أو ابتعاد عن هذه القيم يؤثر سلباً في رقيّ الإنسان وتحقيق الغاية السامية لوجوده.

وقد حرصت أغلب التشريعات على تجريم أفعال ومظاهر غير أخلاقية تهدد تماسك المجتمع وأمنه، مثل الرشوة والزنا والسرقة والاغتصاب والخيانة الزوجية والأفعال المنافية للحشمة. ولكنها عموماً بقيت بعيدة عن موضوع التحرش الجنسي بالرغم من اعتباره آفة اجتماعية خطيرة تمس أمن الأسرة وكرامتها وخاصة المرأة والأطفال مما ينعكس على أمن المجتمع واستقراره. فالتحرش جريمة مغيّبة في نصوص القانون بالرغم من خطورتها لصعوبة إثباتها إن لم تأخذ شكل الاعتداء الجسدي (الاغتصاب).

وقد عرّفته منظمة حقوق الإنسان بأنه (القيام بتوجيه الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال والإيحاءات ذات الطابع الجنسي المباشر وغير المباشر التي تنتهك السمع أو البصر أو الجسد وتنتهك خصوصية الفرد وتؤذي مشاعره من خلال جعله يشعر بالتهديد أو عدم الارتياح أو الخوف أو الإهانة). والتحرش لا يعني أن يكون المتحرش هو دائماً ذكراً والضحية أنثى. ولكن في مجتمعاتنا يغلب أن تكون الضحية هي الأنثى أو الأطفال، وذلك نتيجة التقدم والتطور العلمي والثقافي والتكنولوجي والإعلامي ودخول المرأة ميدان العلم والعمل جعلها أداة متعة وتسلية للشاذين في المجتمع. وأيضاً إلزامية التعليم التي أصبح الأطفال ملزمين بالذهاب إلى المدرسة ما جعلهم عرضة للتحرش دون أي رادع.

بالرغم مما يصيب المرأة أو الأطفال من أذى أو معاناة من الناحية الجسمانية أو النفسية أو الجنسية إلا أن القانون والتشريعات السورية لم تُقم أي اعتبار للآثار النفسية والضرر النفسي والمعنوي التي تترتب عن التحرش الجنسي.

فقد خلت هذه التشريعات من نص خاص أو مادة خاصة لتجريم هذا الفعل إلا ما نصت عليه المادة 499 من قانون العقوبات: (كل موظف راود عن نفسها زوجة سجين أو موقوف أو شخص خاضع لمراقبته أو سلطته، أو راود إحدى قريبات ذلك الشخص عوقب بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات).

فالمشرع السوري ضم التحرش إلى جريمة الأفعال المنافية للحشمة، وهذا ما نصت عليه المادة 506 من قانون العقوبات: معاقبة من عرض على قاصر لم يُتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء أو وجّه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، بالحبس التكديري ثلاثة أيام أو بغرامة خمسة وسبعين ليرة سورية أو بالعقوبتين معاً)، وأيضاً نصت المادة 505 من قانون العقوبات على: (معاقبة من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً لم يتم الخامسة عشرة من العمر ذكراً كان أم أنثى أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمسة عشر عاماً دون رضاهما عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة).فهذه المواد بسيطة وغير رادعة وتفرغ القانون من محتواه مقارنة بحجم الإساءة والضرر الموجه للضحية.

فالعنف المجتمعي الموجه إلى المرأة أو الأطفال نتيجة الاستهانة بكل منهم ككائن بشري، وتهميش المراة ودورها وقدراتها في المجتمع جعل منها الحلقة الأضعف في أيّ اضطراب أو خلل في الأمن الاجتماعي والسياسي، فهي الضحية مقابل السلطة الذكورية.

فلكي يكون الانسان فاعلاً في مجتمعه فإن على المجتمع أن يحمي مشاعره وكرامته، فالمتحرش لا يختلف عن السارق والمرتشي والزاني، لبعده عن القيم الأخلاقية ، ولا بد من أن يتدخل المشرع لإضفاء صفة الجريمة على التحرش الجنسي وتشديد العقوبة عملاً بالمبادئ التي نص عليها الدستور: الحق في العلم والعمل والحرية والمساواة بين الجنسين ورفض التمييز الجنسي، والنص عليها صراحة في قانون العمل حماية للمرأة من سطوة رؤسائها، وجعل هذه الجريمة من اختصاص القضاء المستعجل بسبب موضوع الإثبات والشهادة.

كما أن على الضحية أن تتخلص من صمتها، وعلى المرأة معرفة حقوقها وعدم التنازل عن أي حق منها، وأن تثق بنفسها وقدراتها وتوعية الأطفال بالسلوكيات السليمة وغير السليمة. قضية التحرش تحتاج إلى نظرة متكاملة إلى الجاني والمجني عليه/ها، لمعالجتها من جميع جوانبها ووجوهها الشرعية والاجتماعية والنفسية والتربوية والإعلامية لأنها انعكاس لذلك كله.

 

العدد 1102 - 03/4/2024