إنصاف في القوانين والتقاليد
العمل حاجة واستعداد يعيش داخل الإنسان، ويرتبط بجوهر الحياة نفسها، فالحياة لا تستقيم من دون عمل بالنسبة للفرد والمجتمع، وهو أيضاً قيمة إنسانية تحدد قيمة الإنسان بمقدار ما يقدمه من خير للجميع، وهذا ينطبق على كل أفراد المجتمع رجلاً أو امرأة على السواء، ما يمنح الاستقلال المادي والمعنوي لأصحابه، وينمي قدراته الشخصية وإثرائها من النواحي الفكرية والعملية والاجتماعية.
ونتيجة للاختلاف السيكولوجي بين الرجل والمرأة، أدى إلى اختلافات اجتماعية حددت أدوار كل منهما في المجتمع، وهذا ما جعل للعادات والتقاليد والأعراف تأثيراً كبيراً على وضع المرأة في المجتمع، مما سلبها الكثير من حقوقها، لحساب الرجل الذي منحه حقوقاً كاملة في العمل والطموح والنجاح، قاد الرجل إلى صراع خفي حاول أن يقف حائلاً أمام طموح المرأة، وهو بذلك يهدم ركناً من أركان المجتمع، فدور المرأة محوري وأساسي زوجةً وربة منزل، إضافة إلى دورها في كل المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية.
فدخول المرأة ميدان العمل كان نتيجة لانفتاح المجتمع ثقافياً وتعليمياً، ونتيجة للثورة الصناعية التي أدخلت الآلة إلى حياة الأسرة، ونتيجة أيضاً لتطورات اجتماعية حديثة من طلاق وتأخر في سن الزواج، وغياب الزوج أو مرضه أو عجزه، فعمل المرأة أحدث تغييراً وتعديلاً في القيم التي تعتنقها الأسرة، مما جعل من الضرورة بمكان أن يساهم الرجل في العمل المنزلي مسجلاً خروجاً عن مفهوم دوره التقليدي.
لهذا كان على المشرع الوطني إعطاء الحماية القانونية والتشريعية للمرأة، وقد نظر إلى المرأة على أنها مواطن وشريك، شكّل عملها ناتجاً قومياً له أهمية اقتصادية كبيرة، وهذا ما أكده الدستور السوري لعام 2012 في المساواة بين المواطنين دون تفرقة حسب الجنس، في حق العمل بالمادة 33 منه: (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم – تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين). وأيضاً نصت المادة 40 منه: (العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال). وعزز دور المرأة في المساهمة في مختلف جوانب الحياة في المادة 23 منه: (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..).
فالدستور ألزم الدولة بأن تتخذ التدابير التي من شأنها مساعدة المرأة على الانخراط في مجالات العمل المختلفة.
إضافة إلى نصوص قانون العاملين في الدولة وقانون العمل الذي يَسّرَ عمل المرأة وقدم لها الوسائل التي تساعدها على التوفيق بين واجباتها وعملها، فالقانون كفل للمرأة حق العمل ولم ينصفها، وهذا ما يؤكّد أن التمييز ضدّ المرأة في مجالات العمل لا سند قانونياً له، بل نتاج ثقافة مجتمعية تتبنى الصورة النمطية للمرأة المستكينة لكوابح المجتمع باسم العادات والتقاليد، وباسم الدين، اعتماداً على فرضية أنها شخص ضعيف ذو قدرات محدودة، مما قلّل من وجودها أولاً كانسان، وثانياً كعنصر يساعد في بناء المجتمع.
ولهذا على المرأة الخروج من خلف الجدران والانطلاق نحو المعرفة والعلم والعمل والاحتكاك بالعالم الخارجي متسلحة بحقوقها كإنسانة، فممارسة المرأة لحقوقها الإنسانية هي مسألة اعتراف تفرضه الممارسة، لهذا يجب عليها الاطلاع والإلمام بحقها القانوني والدستوري، لرسم أهداف جريئة بوسائل مناسبة لتحقيق طموحاتها المشروعة، ولتهيئة شروط المشاركة في أمور الحياة بشكل صحيح.
وأن يتحول أجر المرأة إلى ثقافة، وأن يدخل ضمن تشريعات الدولة، بأن تقوم باحتسابه لمن لا يريد الخروج من المنزل، وأن لا يُبخس حقها تحقيقاً لرغبة ضعاف النفوس الذين تسيطر عليهم الأنانية.