سلامة النفس عنوان الفكر …

سلامة النفس عنوان الفكر السليم
#العدد824 #بقلم_وعد_حسون_نصر #جريدة_النور

من الطبيعي أن الشخص صاحب النفسية الهادئة والمتعافية أقدر على التفكير والتعامل مع المحيط من الأشخاص المتعبين نفسياً، وبالتالي فإن ثقل النفس وإرهاقها ينعكس مرضاً وألماً في الجسد، فكل ما نعانيه في أحيان كثيرة من غير تشخيص سريري جسدي يكون مصدره نفسياً. ولعلّنا الآن نعاني جميعاً من ظاهرة التعب النفسي بسبب الحرب التي ما زالت تبعاتها المادية والمعنوية تلاحقنا أنّى اتجهنا رغم أنها شارفت على النهاية. وقد كان أكثر الأفراد تأثراً فيها هم الأطفال، لأن الطفل لا يمتلك من الإدراك ما يؤهلّه لتفسير ما جرى ويجري، ومازال عقله صفحة بيضاء لم تشوّه بعد، لكن ينطبع عليها كل شيء يشاهده أو يحدث أمامه، وخاصة إذا كان الأمر مؤلماً، وما طُبع في فكر أطفالنا خلال سنوات الحرب هذه، لاسيما في المناطق الساخنة لم يكن سوى ما شاهدوه من قتل وذبح بأمّ أعينهم وقد لحق بذويهم. فما هو حجم الأذى والجراح والألم في نفس طفل ذبحت أمه أمامه، وآخر تهدّم بيته بصاروخ وهو يشاهد حجم الدمار، وثالث رأى سقوط عدد كبير من الجثث أمامه بسبب قذيفة أو قصف جوي، أليس من الطبيعي أن يختل الشعور عند هؤلاء وأن تصبح نفوسهم هشّة تتقاذفها الأفكار السوداء، ويصبح هذا الطفل عرضةً لوساوس الشرور، وأداة سهلة لعبثيات التصرف، لما يحمله من سوداوية الأفكار الناتجة عن قسوة الأحداث ومشاهد القتل أمامه؟
لذا، وانطلاقاً من كل هذا، من الضروري العمل وبسرعة على التأهيل النفسي للجميع، وخاصة جيل الأطفال لأنه الأكثر تأثراً من غيره ، وهذا جزء من واجبات الدولة تجاه مواطنيها، وذلك بتخصيص مراكز الإرشاد النفسي بإشراف مختصين من أطباء ومرشدين تقع على عاتقهم مهمة السلامة النفسية لهؤلاء الذين خرجوا من القهر الذي عشّش في نفوسهم، فمن حقهم أن يحظوا بسلامة نفسية وفكرية ليستطيعوا أن يواكبوا المجتمع ويلتحقوا بصفوفه بفكر مرتاح وروح متعافية، وهذه السلامة أهم واجبات منظمات الدولة المعنية، والمنظمات الإنسانية ومراكز التأهيل النفسي، وبالتالي من الضروري والحتمي أن تكون موجودة في كل المناطق المحررة ليكون عملها الأساسي والأهم إعادة السلام النفسي للعائدين إلى مناطقهم ومن كانوا داخلها، ليكونوا أصحاء نفسياً كي يساهموا مُجدداً بإعادة بناء ما دمّرته الحرب في نفوسهم وممتلكاتهم، إضافة إلى تخليصهم من منظومة قتل وشرور فرضها عليهم أشخاص حملوا في داخلهم إجراماً وحقداً وقتلاً، ونشروه سُمّاً في نفوس طيّبة بطيب أطفالها وشيبها ورجالها ونسائها، لذا من الطبيعي والضروري قلع العوسج من أرواح هؤلاء، لنعيد طيب الريحان إليهم برائحة الياسمين وعبق الجوري وهم عنوان بلاد السلام ومستقبلها.

العدد 1104 - 24/4/2024