حالة طلاق في كيان الدولة …

حالة طلاق في كيان الدولة
#العدد824 #بقلم_غزل_حسين_المصطفى #جريدة_النور

لو بسّطنا الفكرة، واتخذنا الأسرة كخلية صغرى تُمثل جزء من هيكل عظيم (المجتمع) لتبيّن معنا ما يلي:
في كل الظروف والأمور اليومية الروتينية وحتّى الطارئة، تقع مسؤولية كل فرد ينتمي لهذه الأسرة على عاتق الأم والأب، فهما المؤسس والقائد، والأشخاص القادرون على القيام بهذه المسؤوليات، حتى أن نظام الكون يفرض عليهما ذلك (كساء ودواء وطعام وإدارة شؤون وتوفر الراحة والأمان….) إضافة إلى الحالات الطارئة، إذ يُفترض أن تكون خطواتهما سريعة مدروسة وتراعي المصلحة الأسرية بالدرجة الأولى.
وما كان هذا الشرح إلاّ لفكرة بسيطة وهي عدم ربط الأسرة بأنها منزل يضمُّ عدداً من الأفراد تحت سقف واحد تجمعهم رابطة الدم فقط. لا، الموضوع أعمق أهم وأخطر من ذلك، ولا يمكن التخلي عن جزء مكوّن لهذه الأسرة مهما يكن الظرف. الأمور المادية والمعنوية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، وكل هذا الحديث على مستوى الأسرة. فماذا لو كان الحديث عن كيان دولة بكاملها مسؤولة عن شؤون كل فرد من أفراد المجتمع، دورها مثل دور الأب والأم تماماً، لكن بزيادة تتناسب مع كيانها وعدد أفراد الشعب، كما يُمكننا القول إن ربّ الأسرة في بعض الأحيان يكون عاجزاً أو لا يملك الحيلة لتأمين بعض الحاجات، وهذا شيء لا يمكن أن يكون عند الدولة. فالدولة الحقيقية ذات الأجهزة المتعددة والتي تعمل بشكل مترابط ومتكامل لا يُقبل منها أيّ عذر إلاّ في حالات استثنائية جداً.
اليوم وكما في كل حديث يجب أن نفرد للحرب حديثاً خاصّاً، فبعد هذه السنوات الطوال من الفتك المتواصل بجميع مناحي الحياة التي نعيشها، أين كانت أجهزة الدولة من رعاية وتأمين بدائل أو احتياجات المواطن؟ ما دور الحكومة في الاستجابة السريعة لمقتضيات الواقع العام؟
كوننا في حالة استثنائية لا يمكن جعل الحكومة شمّاعة نعلق عليها كل الأمور ونرد النتائج لكونها من مسبب واحد (الحكومة)، فالمتابع للأحداث يلاحظ الأصابع الممتدة التي تشوّه واقعنا. لكن، كما قلنا إن المسؤولية تقع في الأسرة على عاتق الوالدين ولا يمكن لهما التنصّل منها ولا بأي شكل من الأشكال. فكم من أب مات لأجل رغيف خبز! وقلنا قضى من أجل أن يؤدي دوره. كذلك الحكومة لا يمكن أن تأخذ حكم البراءة القطعي بمبرر الظروف، بل على العكس تماماً فإن مسؤولية الحكومة أكبر بحكم ما تحمله من مسؤوليات نصّ عليها الدستور.

لا يمكن تحديد وجه التقصير بمنحى دون آخر، للأسف كانت كل الجوانب في حالة يُرثى لها، والأمر الأشدُّ مرارة أننا لاحظنا حالة الطلاق الواضحة، وعدم توحيد الرأي، وتوجيه الأنظار ما بين الحكومة ومجلس الشعب!
الجهود بسيطة بالمقارنة مع ما يتطلبه الواقع كما أنها متناثرة، فلو أننا صببنا القوة بكاملها في منحىً واحد مع التبديل المستمر للواجهة حتى تُعدل المعطيات، ربما كان الأمر مختلفاً عما نعيشه اليوم، وربما تلمّسنا هدفاً حكومياً حقيقياً في بناء ما تمّ تخريبه وتشويهه.

العدد 1102 - 03/4/2024