تكنوقراط الفساد هو المهيمن

تكنوقراط الفساد هو المهيمن!
#العدد824 #بقلم_سامر_منصور #جريدة_النور

لا شك أن إعمار الخراب العمراني والاقتصادي وغيره ضرورة لا بدّ منها، ونحن نسمع عن مشاريع استثمارية للنهوض في هذه المناحي. لكننا لم نسمع حتى الآن عن الاستثمار في الإنسان، ولا عن مشاريع تنموية ثقافية تربوية معنية بتحصين المواطن السوري، عبر رفع عتبة الوعي الجمعي. لماذا هذا الإقبال على إعمار الحجر في الوقت الذي مازلنا نرى فيه (العفّيشة) يعفّشون، في جملة ما يعفشون، الأثاث والمعادن من مؤسسات تابعة لوزارة التربية ووزارة الثقافة، مؤخرين عودة مدارس المناطق المنكوبة إلى الخدمة؟!
هناك مسارات للإعمار والإصلاح والنهوض يجب أن نسير فيها بشكل متوازٍ، وأن لا تُضخّ طاقاتنا في مجال بزخم بينما نهمل المجالات الأخرى. إن تفشي ظواهر هدامة كانتشار المخدرات وغيرها في الحدائق العامة، والخطف والابتزاز والتعفيش وغيرها ممّا تخلفه الحروب الطاحنة عادة من أعداد ليست بالقليلة من اليتامى والأرامل والإعاقات الجسدية والنفسية، كل هذا يضع على كاهل الحكومة ومجلس الشعب أعباء جِساماً، وبالتالي عليها ترشيد طاقاتها، وذلك لن يتحقق دون سحق الفساد المتنامي، ومنع المجتمع من الانزلاق إلى صراع طبقي.
إن الاكتفاء بإعادة الكهرباء والماء والخدمات الأساسية للمناطق المحررة يشبه إعطاء الطعام والشراب وسرير للمريض دون معالجة جراحه الظاهرة والخفية. الوقاية من تكرار المأساة وترشيد الطاقات والانضباط تجاه عمل وطني ينهض بسورية من هذا الدمار يحتاج إلى طاقات فكرية وأكاديمية وإبداعية، وطاقات شابّة في مجلس الشعب وسائر مراكز القيادة والقرار، ولا يمكن الاعتماد على أنماط من المسؤولين كالتي كانت سائدة قبل الأزمة، فقد كان يطغى التأخير والتقصير على العديد من المشاريع الخدمية العامة، إضافة إلى خبر يتداوله الناس كل حين عن مسؤول (شمّع الخيط) بعد أن نهب ما نهب من المال العام.
منذ نعومة أظفارنا ونحن نقرأ في الصحف عن احتراق مستودع لمؤسسة حكومية ما كل حين نتيجة ماس كهربائي. علينا إيجاد حلٍّ حارق لصوامع الفساد، ويجب محاسبة من يقوم بالترشيحات غير المجدية ومحاسبة من يرشّح فاسدين ممّن يسرقون مبالغ ضخمة ويغادرون البلاد فجأة. إن هناك تغذية راجعة في دائرة الفساد يجب كسرها، ومهما تمّ الحديث عن التكنوقراط فلسان حال الواقع يقول إن هناك تكنوقراطية مبهرة في سرقة المال العام وتعطيل القوانين والتشريعات التي تهدف لتحسين حال المواطن وإبقائها لا تتعدى حيّزها الورقي.
إن المواطن السوري يحزن عندما يسمع بزيادة رواتب لأنه يدرك أن الغلاء والمزاجية في تسعير لقمة عيشه ستتفشى في الأسواق. إن التجّار والطبقة الثرية يجدون مختلف الطرائق ليكونوا المستفيدون دوماً.
وباختصار، هناك خلل رقابي في كل وزارات الدولة، وكل ما يجري الحديث عنه حول إصلاح سياسي لن يتحقق دون إصلاح اقتصادي وتطوير بعض التشريعات، وهذا الإصلاح لن يتحقق ما لم يتحقق إصلاح إداري يقوم على ترشيد الطاقات والمال العام، والقضاء على حيتان الفساد ومن يدفع بهم نحو(الكراسي) ويمطرهم صمغاً مهما فشلوا أو بَهتَ أداؤهم.

العدد 1104 - 24/4/2024