هل من إصلاح إداري في سورية؟ …

هل من إصلاح إداري في سورية؟
(النور)_ خاص
#العدد824 #هناء_علي_يوسف #جريدة_النور

ناقشت جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 24/7/2018 ورقة عمل بعنوان (الإصلاح الإداري في سورية بين الواقع والطموح) قدمتها الدكتورة ديالا الحاج عارف، بحضور عدد من الباحثين وخبراء الاقتصاد.
تطرقت بدايةً إلى حل مشكلات الجهاز الإداري، فأكدت أن علاجها لا يعطي النتائج، وإنما يقدم المعرفة الدقيقة بالبيئة الخارجية التي يعمل في إطارها (العادات والتقاليد ،الخصائص السيوثقافية للسكان، وتوفر الإرادة السياسية الراغبة بالتغيير التشريعات والقوانين المساندة، تتبّع تنفيذ الخطط وتطبيقها)، لذلك علينا الابتعاد عن الفهم الجزئي للإصلاح الإداري، إلى فهم أعمق وأكثر جدوى وأثراً في المكونات والمقومات العقائدية والفلسفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أساس أنه نظام مفتوح يؤثر ويتأثر بالبيئة بمختلف عناصرها، وتأصيل منهج معرفي خاص لمفهوم الإصلاح الإداري في الدولة المعنية يبتعد عن النقل التلقائي والعشوائي لصور من التعاريف والنظريات والمقولات المستخدمة في دول أخرى، وإن أثبتت جدواها لديهم، وإشراك جميع المؤسسات السياسية والتشريعية والتنفيذية والاجتماعية والتربوية والثقافية والعلمية والبحثية لإثراء الإصلاح الإداري في مختلف مراحله تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة وتقويماً،
ومن الأفضل أن نأخذ الإصلاح من كل جوانبه فهو عملية مستمرة ومتجددة، تخلق درجة من التوازن الديناميكي لتحقيق أفضل النتائج الإدارية في الإطار السياسي والاجتماعي السائد، فالإصلاح الإداري ليس عملية معاكسة للفساد، بمعنى أن الإصلاح لا يعني علاج الفساد، وإنما أثره واضح في الحد منه وفي تقليصه.
وحسب رؤية الدكتورة ديالا لتعريف الإصلاح الإداري بأنه جهد سياسي، إداري، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي وإرادي، مستمر ومتجدد هادف لإحداث تغييرات أساسية إيجابية في السلوك والنظم، والعلاقات، والأساليب، والأدوات، تحقيقاً لتنمية قدرات الجهاز الإداري وإمكاناته، بما يؤمّن له درجة عالية من الكفاءة، والفعالية في انجاز أهدافه.
وانطلاقاً من هذه الحقائق يمكن التوصل إلى أن ملامح الواقع الإداري في سورية منذ عام ٢٠٠٠ تشير إلى التالي: وعي إدارة الدولة بوجود فجوة بين ما تنشده من آمال وطموحات، وما هو محقق، وأن تجسير هذه الفجوة في محاولة لردمها يحتاج إلى إصلاح إداري سريع، وعاجل، وشامل يتكامل مع الجهود الإصلاحية في المجالات الأخرى، ويكون حاملاً لها.
وتتابع د. ديالا: وبُذلت جهود حثيثة من الحكومات المتعاقبة للنهوض بالجهاز الإداري العام، وتقليص مظاهر الفساد لدى أفراده، وجعله أكثر كفاءة وقدرة على الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع. وتابعت: إن الجهود بمعظمها كانت ذات جدوى وأثر جيد، إلا أنها كانت ومازالت تتجه نحو بعض مجالات النشاط الإداري ونواحيه تبعاً للأولوية في تأثيرها على الأداء الإداري العام، ووفقاً لقطاعات معينة أكثر إلحاحاً وانعكاساً على تلبية الاحتياجات. وكانت المنهجية في ذلك هي محاولة منع التعدي على المال العام، على اعتبار أن الإصلاح هو الوسيلة الأساسية لحجب آثار الفساد. ومحاولات إصلاح الجهاز كانت تأخذ طابع ردة الفعل على ظهور مجموعة من العوامل السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية أو السكانية التي تؤثر في مسيرة الحياة المعيشية للمواطنين، ولم تكن استباقية مبنية على استراتيجية منهجية للإصلاح.
وتتابع الدكتورة ديالا الحديث عن التحول نحو تأصيل منهج فكري خاص للإصلاح الإداري في سورية، يقوم على المبادأة والتخطيط والتجديد والابتكار، ويشتق مكوناته من الرؤية السياسية لإدارة الدولة، كما يستند إلى دعمها، ليستمر في بذل الجهود على مختلف الصعد. وبهذا يتم تجاوز خطورة الخلل في ترتيب الأولويات، وخطورة البحث في مشاكل ليست هي الأولى بالبحث.
بالنظر إلى أن جوهره وغايته ليس بعملية فنية بحتة قاصرة على وضع الهياكل التنظيمية، وتكوين الأطر، وتنمية النظم، وتحديد الإجراءات، وتحديث الوسائل. ولو انحصر في مثل هذه العناصر الفنية لارتد إلى عمليات جزئية محدودة الأثر. بل هو في منظوره المتكامل عملية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفنية. لهذا فهو يستوجب بالضرورة السند والمشاركة الفعلية من القيادات والمؤسسات العاملة في مختلف هذه المجالات التي تكون في جملتها البيئة الكلية، أي مؤسسية الإصلاح من خلال الاستمرارية والقدرة على التواصل مع كل القطاعات وفي كل المجالات.

وتحدثت عن رؤيتها المستقبلية للإصلاح بارتياد آفاق أوسع ومجالات أرحب، بوضع تدابير لاتقاء ظهور المشكلات والنقائص في وضع نماذج وصور غير مألوفة، ودعم الدور الرقابي للمؤسسات الخارجية على الجهاز الإداري العام، وتفعيل رقابة القضاء، الإعلام، الرأي العام، ومؤسسات المجمتع المدني، وتنمية العناصر الفنية للإصلاح الإداري: من هياكل تنظيمية، قوانين، وتشريعات، أساليب وأدوات. تحديد المواعيد الزمنية لمراحل الإصلاح وخطواته ونشر ذلك جهراً وعلانيةً، العناية باختيار أفراد الجهاز الإصلاحي.
ولا بد من التأكيد على التكامل والارتباط الحتمي بين الإصلاحات المجتمعية في مختلف النواحي، والتشديد على دور الدولة وسلطاتها التنفيذية في تفعيل عملية الإصلاح الإداري من خلال اعتماد رؤية سياسية، ومنهجية اقتصادية واضحة يتم بناء برنامج الإصلاح الادري على أساسها، وبالتالي السير بجدية في تكريس مفهومه وأهميته لدى أعضاء الجهاز الإداري الحكومي أنفسهم، وفي أذهان أفراد الشعب. هذا عدا حسم العلاقة بين المؤسسات الحزبية والأمنية والتنفيذية، وبيان حدودها وتداخلاتها، والحرص على تقليص مقاومة التغيير بتقديم برنامجه التنفيذي وفق خطوات تنعكس آثارها الايجابية كبداية على المستوى المنظور الذي تحصد نتائجه بشكل مباشر الغالبية العظمى من الشرائح في المجتمع، ومن ثم تتابع ثماره التنموية على المستوى البعيد الأجل.
ما قدمته الدكتورة ديالا في الإطار العريض، وفي تطرقها أيضاً للجوانب التفصيلية، يؤكد أن عملية الإصلاح الإداري ليست (فزعة) آنية يجري اللجوء إليها عند اللزوم، بل هي جهد مستمر يؤدي في النهاية إلى تحسين أوضاع الإدارة العامة والخاصة، كي تستجيب لمتطلبات الشفافية، وتستطيع بعدها تقديم الأداء الأفضل، بعيداً عن الفساد، خاصة في المرحلة القادمة التي تتطلب بذل الجهود من أجل إعادة إعمار ما خربته الأزمة والغزو الإرهابي.
وفي نهاية المحاضرة أثير حوار تركز حول مفهوم الإصلاح الإداري، ومستلزمات نجاحه التي تتطلب إصلاحاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وبنية تشريعية مواكبة لهذا الإصلاح، تعزز القيم العليا لمجتمعنا السوري، وتنطلق معاً لرسم ملامح سورية المستقبل.
وبمعزل عن شروط نجاح الإصلاح الإداري في سورية، يبقى السؤال الذي يلح على الجميع:
هل من إصلاح إداري في سورية؟

العدد 1101 - 27/3/2024