تقرير موجز حول أهم مستجدات …

تقرير موجز حول أهم مستجدات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
#العدد824 #جريدة_النور #الحزب_الشيوعي_السوري_الموحد

(الإسراع في تنفيذ زيادة حقيقية وعادلة في الأجور_ تشجيع عودة المهجرين والكفاءات الفنية والاستثمارية للبلاد)
(مؤتمر وطني للتوافق على رؤية وطنية اقتصادية للمرحلة القادمة، ووضع الاستراتيجيات والبرامج الزمنية لتنفيذها)
قدّم الرفيق فؤاد اللحام (عضو المكتب السياسي) تقرير المكتب عن أبرز المستجدات الاقتصادية الاجتماعية، وهذا نصّه:
(شهدت الفترة الفاصلة بين شهري آذار وتموز من هذا العام مجموعة من الأحداث الهامة التي أثرت في مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سورية، كان من أهمها استعادة الغوطة الشرقية وأجزاء هامة من محافظة درعا والسويداء والقنيطرة، وفتح طريق حرستا والرستن، وبدء الاتصالات السياسية لمعاودة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن ومعبر البوكمال مع العراق، وبدء الجهات الحكومية المعنية بإعادة تأهيل عدد من المدن والمناطق التي تمت استعادتها من الجماعات المسلحة في إطار العمل على إعادة دورة الحياة والإنتاج فيها. كما شهدت الفترة ذاتها تحسناً ملحوظاً في توفر الكهرباء والمحروقات وتنشيط عملية التصدير وبشكل خاص من بعض الفواكه والخضار والمنتجات النسيجية والغذائية إضافة إلى استقرار سعر صرف الليرة السورية، وازدياد حجم الحوالات الخارجية من السوريين الموجودين في الخارج إلى ذويهم في مختلف المدن السورية. كذلك شهدت هذه الفترة صدور مجموعة من التشريعات والقرارات التي ساعدت الى هذا الحد أو ذاك في عملية إعادة تأهيل وتشغيل جزء من المنشآت الإنتاجية والخدمية الخاصة والعامة وإقامة مشاريع صناعية جديدة في المدن والمناطق الآمنة.
الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية
إلا أن هذا التحسن ما يزال جزئياً وفي بداياته حتى الآن، فما تزال الآلاف من الأراضي الزراعية والمنشآت الإنتاجية والخدمية الخاصة والعامة خارج العمل والإنتاج. كما لايزال العديد من المدن والمناطق السكنية التي تمت استعادتها غير متاحة لدخول أصحابها إليها، أو أنهم غير قادرين على إعادة تأهيلها بسبب ضخامة حجم الأضرار التي لحقت بها وتأخر صرف التعويضات لهم. كما أن المستجدات الاقتصادية الإيجابية التي سبقت الإشارة إليها، لم تنعكس، كما تثبت الوقائع حتى الآن، بشكل ملموس على الأوضاع الاجتماعية، فقد كانت منعكساتها على التشغيل وخفض أسعار المواد المنتجة محلياً أو المستوردة مقتصرة على عدد بسيط من السلع وبانخفاض محدود. الأمر الذي أدى إلى استمرار تراجع المستوى المعيشي للغالبية الساحقة من المواطنين، بسبب ثبات الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة الموجودة، وفرض المزيد منها بحجة زيادة الإيرادات الحكومية. يضاف إلى ذلك ضعف الإجراءات الحكومية العملية في حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار ورفع الأسعار، وفرض الالتزام الفعلي بالأسعار المحددة والإعلان عنها، واستمرار وقف العمل بالبطاقة التموينية.
الأجور
ماتزال الحكومة تناور في موضوع زيادة الأجور وتؤجله، وتربطه تارة بتوفر الموارد اللازمة لذلك، وتارة بالعمل على تحقيق (زيادة فعلية للأجور لا يذهب مفعولها بعد أيام من صدورها) حسب التصريح الصحفي قبل بضعة أيام لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك. في الوقت الذي كان من الممكن ومنذ البداية، وعوضاً عن هذه الوعود والتصريحات الحكومية العديدة في هذا المجال، اتخاذ بعض الاجراءات الجزئية لتحسين القدرة الشرائية لأجور أعداد واسعة من العاملين والمواطنين، من خلال إعفائهم من ضريبة الأجور كبداية، ومن ثم تمويل زيادة الأجور الحقيقية اللازمة من خلال زيادة الضرائب المباشرة وبشكل خاص على أصحاب الدخول والأرباح المرتفعة، ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي، والإسراع في تطبيق البطاقة التموينية الإلكترونية، وتوسيع مجموعة السلع المدعومة التي تشملها وتقديمها بأسعار مخفضة.
إن ثبات الأجور وتراجع قدرتها الشرائية نتيجة الغلاء، إضافة إلى البطالة والنزوح وغيرها من نتائج الأزمة، قد أدت إلى ازدياد حدة الفقر وتراجع المستوى المعيشي للمواطنين السوريين، واستهلاك مدخرات من كانت لديه مدخرات والاعتماد على مساعدة من يوجد من أفراد العائلة خارج البلاد، حتى أن النازحين السوريين في الخارج أصبحوا يقتطعون جزءاً من المساعدات المالية التي يتلقونها ويحولونه لأهاليهم في الداخل لمساعدتهم قدر الإمكان في مواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهونها.
البطء في إصدار القرارات وتنفيذها
على الرغم من إصدار عدد من القوانين والمراسيم والقرارات التي شجعت عودة الأهالي إلى عدد من المدن والمناطق التي تمت استعادتها، وكذلك تشجيع عدد من المستثمرين على البدء بإعادة تأهيل وتشغيل منشآتهم الصناعية والخدمية، إلا أنه يلاحظ وجود تأخر ومماطلة في إصدار قرارات وتفعيلها وتنفيذها تتعلق بالعديد من الأمور الضرورية في هذا المجال، وبشكل خاص ما يتعلق بصرف التعويضات لأصحاب المنشآت المتضررة وتوفير التمويل الإنتاجي لهم، وتمكينهم من الدخول إلى منشآتهم، وتمكين المواطنين من العودة إلى أراضيهم ومنازلهم في عدد من المناطق التي تمت استعادتها ولم تفتح لهم حتى الآن.
وعلى نطاق تمويل القروض الإنتاجية وبعد عدة سنوات من المناقشة والدراسة، سمحت الجهات الحكومية المعنية للمصارف العامة بمعاودة منح القروض الإنتاجية، لكنها حصرتها بقطاعات وأنشطة محددة، ووضعت شروطاً قاسية لمنحها، الأمر الذي لم يشجع على طلب هذه القروض. في الوقت الذي لم تتحرك فيه الجهات الحكومية المعنية باتجاه تفعيل تطبيق القانون الخاص بإحداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشاريع الصغيرة إلا قبل أيام قليلة، وبعد مضي حوالي 28 شهراً على صدوره. وهذا ما يشير إلى ظاهرة الإصدار الشكلي لبعض التشريعات دون المباشرة بتنفيذها، أو وضع تعليمات تنفيذية لها تخرجها عن الهدف الأساسي لها وتجعل عملية تطبيقها صعبة وغير مقبولة.
إصلاح القطاع العام
ما تزال مسألة إصلاح القطاع العام الاقتصادي حتى الآن قيد البحث والدراسة لدى اللجنة الوزارية التي تم تشكيلها لهذا الغرض. وكانت هذه اللجنة قد منحت كل وزارة مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر (منتصف عام 2018) لإعداد الدراسة المتعلقة بمؤسساتها وشركاتها ذات الطابع الاقتصادي والمصفوفة الزمنية اللازمة لإصلاحها، وذلك بالتنسيق مع أعضاء اللجنة الذين يضعون المعايير والآليات النموذجية لهذه الدراسات. وقد انتهت المدة المحددة لذلك دون بيان نتائج هذه الدراسات. في الوقت الذي يرى الكثير من المختصين بأن معالجة الأوضاع الصعبة للقطاع العام لم تعد تحتمل المزيد من التسويف والتأجيل، لأنها تزداد صعوبة وتعقيداً وكلفة ووقتاً مع كل يوم تأخير، كما أنها توفر الذرائع المناسبة لمن يرغب باستغلال هذه الأوضاع الصعبة كحجة لتصفية القطاع العام تحت مختلف التسميات القديمة والجديدة.
من جانب آخر أشارت نتائج القطاع العام الصناعي عن الربع الأول من عام 2018 إلى انخفاض واضح في تنفيذ خطط مؤسسات هذا القطاع، فقد كانت نسبة تنفيذ الخطة الاستثمارية 1.6%، والإنتاج 9%، والناتج المحلي الإجمالي 9.2%، والمبيعات 7.8%. أما الصادرات والمبيعات الدولارية فقد بلغت 121 ألف دولار، وهي صادرات نسيجية فقط وبنسبة تنفيذ واحد بالألف. كما استمر عدد المشتغلين في القطاع العام الصناعي بالتراجع، إذ انخفض من 42119 مشتغلاً في عام 2017، إلى 42043 مشتغلاً في الربع الأول من عام 2018.
القطاع الزراعي
أدت حالة الجفاف ثم العواصف الشديدة والأحوال الجوية السيئة التي شملت معظم المناطق السورية، إلى إلحاق أضرار كبيرة بالقطاع الزراعي، سواء بالنسبة للأشجار المثمرة أو المحاصيل الزراعية الأخرى أو البيوت البلاستيكية، الأمر الذي زاد من المشاكل والصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني نتيجة الأزمة، التي تسببت بخروج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من الإنتاج وعدم التمكن من زراعتها وجني محاصيلها، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي من الأسمدة والأدوية، والتأخر في تسعير بعض المنتجات، أو عدم تحديد سعر مجزٍ يشجع على زراعتها، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في إنتاج المحاصيل الأساسية كالقمح والقطن والشوندر السكري وتسويقه، وقد تحول الشوندر السكري للعام الخامس إلى علف للحيوانات بسبب تراجع إنتاجه. وقد انعكس التراجع في إنتاج هذه المحاصيل وفي تسويقها، على الصناعات الغذائية والنسيجية المرتبطة بها. وتزداد المخاطر والآثار السلبية على القطاع الزراعي في هذا العام للأسباب التي سبق ذكرناها، الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكومية المعنية مراجعة الخطط الزراعية الموضوعة، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الأوضاع والحد من آثارها السلبية، سواء بالنسبة للزراعة أو لمياه الشرب.
المستثمرون الجدد
شهدت الفترة الأخيرة بروز ثروات طائلة للعديد من رجال أعمال قدامى وجدد، وسط تساؤلات ومخاوف كبيرة عن مصادر هذه الأموال. وتقوم هذه الشخصيات بشراء أو استثمار منشآت صناعية وسياحية وتجارية قائمة أو التعاقد على تأهيلها أو إقامة منشآت جديدة منها، وكذلك استغلال نفوذهم في الحصول على مشاريع ومناقصات بشكل مباشر هنا وهناك، أو السكوت عن مخالفاتهم للأنظمة والقوانين التي كان أحدثها تجميع السيارات الذي بدأ، حسب تصريح مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، دون حصول عدد من مصانع التجميع بشكل مسبق على رخص لتجميع السيارات من بلدان المنشأ، أو من الشركة الأم الصانعة للطرازات المستهدفة بالتجميع، إضافة إلى التلاعب في الرسوم الجمركية المفروضة على مكونات السيارات المجمعة، الأمر الذي يوسع نطاق المخاوف من بروز قوى اقتصادية جديدة ومتجددة توجه عملية إعادة تأهيل وبناء المرافق الأساسية في سورية، لمصالحها ومصالح شركائها، على حساب مصالح الشعب السوري.
التهريب والنهب والفساد
كما استفحلت ظاهرة الغش والتزوير والتهريب لمختلف السلع والمنتجات، إضافة إلى البروز الظاهر للفساد في مفاصل هامة في عدد من الأجهزة الحكومية، يضاف إلى كل ذلك عمليات التعفيش التي تضمنت نهب وسرقة المساكن والمنشآت الخدمية والإنتاجية العامة والخاصة في العديد من المدن والمناطق التي تمت استعادتها من الجماعات المسلحة. وهو ما يعيد إلى الذاكرة عملية استعادة شرق مدينة حلب وما رافقها من مثل هذه الظواهر والممارسات. تجدر الإشارة إلى أن قيادة الشرطة في منطقة دوما كشفت مؤخراً عن إعادة مسروقات بنحو مليار ليرة، تمت سرقتها من معامل تل كردي في ريف دمشق إلى منطقة دوما، ومعظمها أدوات منزلية وبرادات وغسالات وغيرها من الأدوات، وهذه حالة من الحالات العديدة التي شهدتها المناطق والمدن المحررة.
إعادة الإعمار
أخذت مسألة إعادة إعمار سورية تستأثر باهتمام كل الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، وتسعى كل هذه الأطراف للحصول على أكبر حصة ممكنة من هذه العملية، ربما كشرط لموافقتها على وقف الحرب في سورية وعليها. وهنا لا بدّ من التأكيد مجدداً على ما بيّنه الحزب مراراً وتكراراً من أن عملية إعادة الإعمار هي مهمة سورية بالدرجة الأولى، وتتطلب وضع رؤية وطنية واضحة حول هذا الموضوع، بمشاركة كل القوى السياسية والوطنية والمجتمع الأهلي والخبراء والمختصين الوطنيين، لتحديد المشاريع التي تتطلبها عملية إعادة الإعمار، والأولويات التي سيتم اعتمادها وتشجيع المستثمرين السوريين والأصدقاء على تنفيذها، مع التأكيد على الاستفادة من الدروس المستخلصة من الفترة السابقة للأزمة وخلالها، والمتعلقة بمكافحة الفساد، والتشدد في تطبيق الشفافية، والوضوح في تلزيم المشاريع وتنفيذها، سواء في المرحلة الراهنة أو في المرحلة المستقبلية. وهنا لابد من التأكيد على الدور الأساسي للقطاع العام في عملية إعادة البناء والإعمار، وتولّيه ملكية المرافق السيادية العامة الأساسية في البلاد، وإدارتها وتشغيلها، بما يضمن خروجاً سليماً لسورية من هذه الأزمة، وتجنيبها حدوث أية أزمة أخرى في المستقبل.
أولويات العمل في المرحلة الراهنة:
1. عقد مؤتمر وطني بمشاركة الجهات العامة والخاصة والأهلية المعنية، للتوافق على رؤية وطنية اقتصادية للمرحلة القادمة، ووضع الاستراتيجيات والبرامج الزمنية لتنفيذها.
2. تكثيف الجهود لإصلاح البنى التحتية ذات الأولوية، وتأهيلها، في المناطق المحررة في أسرع وقت، وتمكين أبناء هذه المناطق من العودة إليها، وإعادة تأهيل المصانع والورش الموجودة فيها والإسراع في دفع التعويضات المناسبة لهم.
3. الإسراع في تنفيذ زيادة حقيقية وعادلة في الأجور، ومباشرة العمل بالبطاقة التموينية الإلكترونية، وتوسيع عدد السلع المدعومة التي تشملها.
4. تنفيذ برامج تدريب مكثفة للنازحين حول المهن والحرف المطلوبة لسد الاحتياجات الحالية والمستقبلية من العمال والحرفيين والفنيين اعتماداً على المواطنين السوريين.
5. الإسراع في إنجاز مشروع برنامج إصلاح القطاع العام الاقتصادي، وطرحه للمناقشة العامة من قبل الأحزاب والقوى الوطنية والمختصين، قبل اعتماده وتنفيذه.
6. اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتشجيع عودة المهجرين والكفاءات الفنية والاستثمارية للبلاد.
7. اعتماد الشفافية والعلنية في طرح كل المشاريع ذات العلاقة بين القطاع العام والخاص، بما يحقق أكبر قدر ممكن من النزاهة والمنافسة الحرة المفتوحة في تلزيم هذه المشاريع أو المشاركة فيها.
8. تقديم التمويل السهل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، بما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحسين سبل العيش للمزيد من المواطنين، وإعادة دوران العجلة الاقتصادية في البلاد.
9. تمكين الأحزاب والجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام الوطنية بكل أشكالها من الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لمتابعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتسليط الضوء على مشاكلها ومتطلباتها ومظاهر الخلل فيها).

العدد 1102 - 03/4/2024