معرض الكتاب بوابة الثقافة …

معرض الكتاب بوابة الثقافة
#العدد824 #بقلم_ولاء_العنيد #جريدة_النور

200 دار نشر، من كل من لبنان ومصر والمغرب وإيران وروسيا والدانمارك والعراق، إضافة إلى دور النشر السورية، بدأت بترتيب كتبها على رفوف معرض الكتاب في دورته الثلاثين، فضلاً عن آلاف القراء الذين ينتظرون زيارة المعرض، ويأملون أن يكون أكثر شمولاً وأن يحتوي كتباً لا تتوفر دائماً في المكتبات السورية، لكي يتميز بكيفية الكتب المعروضة لا بكمياتها التي تملأ الرفوف فقط، بل التي تستهوي العقول والصدور.
لقد حان وقت الافتتاح وانتهى الانتظار، فقد بدأت فعاليات معرض الكتاب في ٣١ تموز ويستمر حتى ١١ آب. وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية ينتظر محبو القراءة معرض الكتاب بفارغ الصبر، ويتلهف عشاق الكتب إلى رؤية العناوين الجذابة وأسماء كتابهم المفضلين، ويبحثون عنها من بين الكتب المعروضة، فهدف زيارتهم للمعرض يتموج بين اقتناء كتب بحثوا عنها كثيراً لكن قلّ توافرها، فيجدون في المعرض فرصة أكبر للبحث عنها وشرائها، ومنهم من يهدف إلى الاطلاع على الجديد الذي تحمله دور النشر العربية والأجنبية، والتعرف إلى كتّاب جدد على الصعيدين المحلي والعالمي.
ولكن هل سيحمل المعرض في جنباته حلاً يروي عطش القراء ويزيل العقبات التي تقف عائقاً بينهم وبين الكتاب، والتي تتمثل بغلاء أسعار الكتب بشكل كبير؟ وبالنسبة للكثيرين معرض الكتاب فرصة يرغبون اغتنامها بشراء أكبر كمية ممكنة من الكتب والاستفادة من نسب الحسم التي قد يقدمها المعرض، فهي تعتبر فترة تحمل عروضاً تشجيعية تفسح المجال خلالها للقراء ليقتنوا الكتب التي لطالما رغبوا فيها بأسعار تتناسب مع إمكانياتهم المادية دون أن تشكل عبئاً إضافياً يزيد من حجم إنفاقهم.
فأسعار الكتب شهدت ارتفاعاً كبيراً جداً في السنوات الماضية تعود أسبابه حسب دور النشر إلى غلاء تكاليف إنتاج الكتاب، فمستلزمات صناعة الكتب ارتفعت أسعارها، مثل الورق والحبر وتصميم الغلاف وحتى الآلات التي تظهر الكتاب بأفضل حلّة، إلى جانب أجور العمال وغيرها الكثير من التفاصيل التي من غيرها ما كان للكتاب أن يصل إلى القارئ بهذا الشكل المتقن.
ولكن سعر الكتاب المرتفع سبب صدمة لكثير من محبي القراءة، فقد بات اقتناء الكتب على فترات زمنية متقاربة يشكل عبئاً مادياً على عشاق الكتاب، فالمواطنون عموماً يعانون من غلاء المعيشة، مما جعلهم يتخلون قسراً عن تلبية حاجاتهم الثقافية، ويسعون مرغمين يائسين خلف قوت يومهم وحاجاتهم الأساسية. فالأولويات تغيرت وفقد الكتاب مكانته من قائمة الأساسيات ونقل بكل قوة وأخذ مكانه في قائمة الكماليات.
ولكن وجد بعض القراء في الكتاب الإلكتروني ملاذاً، وحاولوا به إرواء عطشهم للقراءة والثقافة، من دون أي تكاليف مادية، فالأمر يقتصر على البحث عن نسخة مجانية من الكتاب، وينتهي الأمر بحفظها على الجهاز الإلكتروني الخاص بالقارئ، فقد احتل الكتاب الإلكتروني بسهولة مكانة كبيرة في حياة القراء لسهولة تخزينه على أي جهاز والقراءة منه في أي وقت والأهم من ذلك بالنسبة للقراء أنه مجاني، ورغم أن توفره على المواقع الإلكترونية غالباً بطرق غير شرعية من خلال قرصنته أو تحويله عن طريق الأفراد للنسخ الإلكترونية فهو يلقى رواجاً وانتشاراً كبيرين وبات منافساً شرساً للكتاب الورقي، ولا يستهان به. ورغم أن لكلا النوعين عشاقاً ومحبين، ولكنهم يجتمعون في إدمانهم الجميل على القراءة وزيادة العلم والثقافة.
لا ريب أن للكتاب الإلكتروني فوائد، لكن مازالت متعة تقليب الأوراق واستنشاق رائحتها تسرق قلوب الجميع، هذا الإحساس وحده يمنح القارئ قدرة على إدراك ما في دفتي الكتاب بكل سهولة ويسر لتصنع رابطاً شديد الاحكام بين الكتاب والقارئ ويكون ذكرى لا تنسى. ولكي نعيد بناء هذه الصداقة الجميلة مع الكتب علينا العمل على تحويل الكتاب إلى عنصر أساسي في حياة الناس والتوعية لأهميته لكي لا يكون حكراً على ميسوري الحال، علينا إيجاد حلول تساعد على خفض سعر الكتب لتكون متاحة للجميع، لربما يكون من خلال وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب لإيجاد حلول تحدد بها أسعار الكتب وتقي الناس من شر ارتفاعها وتوفر عليهم مشقة تحمل تكاليفها العالية، إذ يقع القارئ بين أمرين أشدهما مرّ: إنفاق مبالغ مالية كبيرة لاقتناء الكتب، أو التخلي عن الكتاب بسبب سعره الذي لا يتناسب مع إمكانياته المادية، ويصبح فريسة سهلة للجهل رغم حصولهم ربما على شهادة جامعية. لربما يأتي يوم يكون للطالب السوري ميزة الحصول على الكتب بأسعار رمزية لتشجيعه على القراءة أكثر ولنهل العلم والمعرفة من موطنها الأصلي لبناء جيل متعلم مثقف نريده. فمنذ عام ١٩٨٥ الذي شهد الدورة الاولى لمعرض الكتاب، إلى اليوم تحتضن دمشق معرض الكتاب بهدف نشر العلم والثقافة والعمل على زيادة نشاط النشر في سورية وربط القراء بالكتاب. نجح المعرض على مر السنين بإنجاح هذه المعادلة، لكن هل سيكون دوره أكثر فاعلية وإيجابية هذا العام كما يتمنى الجميع؟ وهل سينجح في ردم الهوة التي صنعتها الأسعار المرتفعة ليصل كل كتاب إلى مستحقه ومريده، ويعود الكتاب إلى دوره الأسمى في طرد الجهل ونشر العلم والثقافة؟!

العدد 1102 - 03/4/2024