لماذا نقرأ؟!

في عصر ثورة الاتصالات، وسرعة انتشار المعلومة، لم يعد الكتاب مصدراً وحيداً للمعرفة، فقد أخذت تزاحمه بل تزيحه شبكة الإنترنت، أو ما يسمى العالم الافتراضي. سواء أكان الكتاب هو المصدر الأكثر انتشاراً أم الشابكة تبقى القراءة هي الأغنى والأعمق والأكثر تداولاً في عمليات جمع المعلومات وتحصيل المعارف.

وهنا يطرح سؤال لماذا نقرأ؟ أو ما هي حاجتنا إلى القراءة، أياً كانت مصادرها؟

نحن نقرأ لنكوّن رصيداً معرفياً يساعدنا على إدراك العالم المحيط بنا، ومعرفة نشأته وتطوره، وظهور الإنسان فيه، والغاية من وجوده ودوره في الحياة الاجتماعية.

ونقرأ أيضاً لنتمكن من اتخاذ مواقف أقرب إلى الصحة فيما يعترضنا من مشاكل وصعوبات صغيرة أو كبيرة، عابرة أو مصيرية، تواجهنا في حياتنا اليومية، لأن الأكثر وعياً والأعمق معرفة هو الأقدر على اتخاذ مواقف صحيحة.

نقرأ أيضاً لنتواصل مع الغابر من تاريخنا بالاستفادة من تجاربه وكشف أخطائه كيف لا نقع بالأخطاء نفسها التي حصلت وأدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي الثقافية.

نقرأ أيضاً للاطلاع على إنجازات الآخرين في مختلف أرجاء العالم العلمية والأدبية والثقافية، لتطوير ثقافتنا وإغنائها بأحدث منجزات شعوب العالم، مما يساعد على تنمية قدراتنا الفكرية بخلق شبكات تواصل مع شركائنا في الإنسانية.

نقرأ أيضاً لتلبية حاجة روحية في إغناء عالمنا الداخلي الذي لا ينفصل عن العالم الخارجي بكل محتوياته ومكوناته.

فكما تحتاج المعدة إلى طعام والرئتين إلى الهواء والقلب إلى الدماء كذلك يحتاج العقل إلى غذاء ووقود لاستمرار عمله، فهو ينمو ويتطور بمقدار ونوعية المعلومات التي ترفدنا بها القراءة وتجارب الحياة الأخرى عن طريق حواسنا في عملية كيميائية فيزيائية شديدة التعقيد توصل إلى المعرفة التي تقاس أهميتها بمقدار ما تقدم لنا من منافع وفوائد نحن بأمس الحاجة إليها في حياتنا اليومية.

هل فكر أحدنا بأنه لو لم يقرأ الكتب المتنوعة ويتحصل على معارف ومعلومات مختلفة، كيف يمكن أن تكون خياراته ومواقفه من الحياة الخاصة به والعامة، لو تأملنا ما جمعناه من معارف ومعلومات لوجدنا أن معظمها وصلنا عن الطريق القراءة والكتب.

ثمة من يقول هناك مصادر كثيرة للمعرفة كالرائي أو المذياع أي الثقافة  المسموعة أو المرئية.

نعم, هذه مصادر هامة لكنها لا تغني عن الكتاب المقروء فهو وحده من يترك لنا فرصة للتوقف والتأمل والتفكير بما نقرأ بل ومناقشة ما نطالع وهذا لا تتيحه لنا لا عملية التلفزة ولا البث الإذاعي لأنها تستلب قوانا وتجعل منا متلقّين سلبيين لا نساهم في إعادة إنتاج ما نقرأ، أي تصادر حقنا في المشاركة وتعطل ملكات التفكير لدينا.

القراءة توفر كماً من المعارف يساعدنا على التحرر من ضرورات الطبيعة وحتميات المجتمع، لأن معرفة الظواهر وقوانينها كفيل بتحررنا منها، والقراءة تجعل منا أناس يمكن إذا وظفوا ما قرؤوه توظيفاً صحيحاً أن يكونوا أعضاء فعالين في المجتمع يساهمون في تطويره وإغناء ثرائه المعرفي.


 

العدد 1102 - 03/4/2024