صفقة القرن.. إفشالها مهمة وطنية وقومية

 تمر القضية الفلسطينية، اليوم، بمنعطف خطير، لعلّه من أخطر المنعطفات التي مرت بها هذه القضية حتى الآن. ومما يدعو إلى تأييد هذا الاعتقاد هو تعقّد الوضع العربي، بل تدهوره، إثر الحروب العدوانية التي شنّت ضد سورية والعراق واليمن وليبيا، والتي تجري مساعٍ حثيثة لإدخال لبنان ضمن دائرتها، وكذلك بسبب التصميم الأمريكي- على ما يبدو – لتنفيذ مخطط موضوع مسبقاً بصدد هذه القضية، وحالت ظروف عديدة دون تنفيذه، وأيضاً بسبب ضغط وتخطيط اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا. وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد تعهد بحماية إسرائيل، وجعل ذلك بنداً رئيسياً في حملته الانتخابية، ولايستطيع بشكل من الأشكال غضّ النظر عن تعهده هذا.

كثيرة غير ذلك، العوامل التي شجعت أمريكا على وضع مبادرتها الجديدة قيد الطرح العلني، أو على الأقل إزاحة الستار عن سريتها، ومنها أن الوضع في بلدان الخليج العربي، وعلى الأخص السعودية، قد بدأ ينضج لصالح إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، بهدف كسبها إلى جانبها في حربها المفتعلة والمصطنعة ضد إيران، في إعادة مأساوية وبائسة للحرب العراقية الأولى التي شنّت ضد إيران عام ،1979 والتي لم ينتج عنها سوى الكوارث للبلدين والشعبين، ولمجمل القوة العربية.

وقد كثرت خلال العام الجاري المبادرات السعودية تجاه إسرائيل، واتخذت طابع زيارات متبادلة لشخصيات من السعودية وإسرائيل في بادئ الأمر، وتصاعدت تدريجياً ووصلت إلى درجة اتفاقات أولية ذات طابع استراتيجي وإعلانات متبادلة عن أن حالة الحرب بين (البلدين) لم تعد موجودة، لا بل لم تكن موجودة أصلاً.

القيادة السعودية الجديدة التي أغرقت نفسها في مستنقع اليمن، تزداد غرقاً، ولا يبدو في الأفق أي احتمال بالخروج منه قريباً، كما أن بعض دول الخليج لم تظهر تطابقاً كاملاً مع السعودية، مثل الكويت وعمان، خاصة أن العراق هو في الصف الآخر المعادي للإرهاب، لذلك فهو موضوعياً ضد هذا المخطط السعودي- الأمريكي. أما سورية، ففيها تلقّى هذا المشروع وهو في مرحلته الجنينية ضربة قاصمة، وارتدّت مفاعيله الإجرامية على صانعيه، وهو قد دفع.. وسيدفع مقابل هذا الفشل الكثير.. الكثير، مما سينعكس عليه في الداخل السعودي الذي يبدو أن قيادته الجديدة المتهورة ستدفع به إلى أسفل السافلين، ولن تنفع محاولاته الجديدة لاختراق لبنان، واللعب بمصيره واستقلاله. وجدير بالذكر هنا أن مصر، الداخلة في حلف رسمي مع الخليج، تبدي تردداً واضحاً في الانخراط العسكري مع السعودية في حربها ضد اليمن، ما يمنع السعودية من الاتكال عليها في مزيد من القتال.

إذاً، لم يجد آل سعود ملاذاً في عزلتهم هذه سوى التسريع في نسج وحياكة مشروع تطوير العلاقة مع إسرائيل إلى حدها الأقصى.

وإذا وضعنا جانباً المعلومات التي ترد من هنا وهناك حول علاقة آل سعود بالغرب وبإسرائيل كعلاقة تبعية، لأمكننا التأكد من سياق علاقات السعودية الخارجية وسياستها تجاه القوى والأنظمة الوطنية العربية، ونشاطها الدولي القائم على شراء الحكومات والأنظمة، من أن هذه الأسرة وما أنتجته من أمراء وشيوخ، وطواقم حاكمة لا يخرج عن نطاق هذه المعلومات قيد أنملة.

المشروع المهيأ لكل القضية الفلسطينية يرتكز- وهنا التضليل – على المبادرة العربية التي أقرت في بيروت عام ،2001 والتي شُطب منها حق العودة، وسوف يستعاض عنه بدفع بضعة ملايين من الدولارات للاجئين الفلسطينيين، الذين سيرغمون على التوطين في لبنان والدول الأخرى. وسيُطرَد الفلسطينيون الذين يرفضون التخلي عن هويتهم القومية إلى خارج البلاد.

إننا متأكدون أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن وطنه لقاء مال الدنيا بأسرها، وهو سيرفض تحويل ما تبقى من فلسطين إلى دولة يهودية عنصرية.

من الطبيعي أن تمارس الإدارة الأمريكية الضغوط تلو الضغوط على القيادة الفلسطينية، من أجل قبول هذه الصفقة التي سمّيت (صفقة القرن)، والتي تباع بموجبها أوطان.. وتشترى أوطان، وسيكون للسعودية دور هام في محاولة إنجاح هذه الصفقة،التي تعول عليها الولايات المتحدة الكثير من أجل تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل التوسعية .. العدوانية.. العبرية.

إلاّ أن الحذر والتيقظ واجب من احتمال أن تستجيب بعض القيادات الفلسطينية المتنفذة للضغوط، أو أن تسقط في أوهام حل سياسي تكون نتيجته الضياع الأكبر لفلسطين، والتمدد الإمبريالي الصهيوني في المنطقة العربية. 

العدد 1104 - 24/4/2024