ماذا بعد العرقلة الأمريكية للسلام؟

 بعد أن تلقت قوى الإرهاب ضربات استراتيجية كبيرة، باستعادة دير الزور والبوكمال وبعض أرياف حماة من سيطرتها، أصبح واضحاً أن ميزان القوى قد رجح بشكل شبه نهائي لصالح الدولة الوطنية السورية، وغدا الجيش العربي السوري يسيطر على ما يقرب من 95% من الأراضي السورية، وانعكس ذلك مباشرة على مواقف عدة بلدان هامة، وكان الأهم هو التصريحات- التصريحات وليس شيئاً آخر- التي أدلى بها مسؤولون أمريكان، يُبدون فيها استعدادهم لمتابعة عملية السلام التي بدأت في جنيف، والتعاون مع روسيا في هذا المجال، وفي حينه أشاعت هذه المواقف والتصريحات بعض التفاؤل بإمكانية أن تسير هذه العملية حتى نهاياتها بشكل سلس.

وفي ظل هذه الأجواء الجديدة نسبياً، عُقد اجتماع استانا الذي تمخض عنه إحداث (مناطق خفض التصعيد) وجرى تشكيل فرق لمراقبة هذا الخفض، لمدة ستة أشهر. وبالفعل فقد لحظ المراقبون تقدماً ملحوظاً في مناخ التهدئة، وعادت الحياة الطبيعية إلى بعض المناطق السورية، التي انصرف بعضها إلى إجراء المصالحات المحلية.

ولكن سرعان ما بدأ الأمريكيون يحرّضون على خرق اتفاقات أستانا، هنا وهناك، فقد حال الضغط الأمريكي على حكومة الأردن دون تنفيذ ما يتعلق بها من هذه الاتفاقات، وبالتالي تعطلت عملية فتح الحدود السورية- الأردنية، وكان الهدوء قد ساد إلى حد كبيرة الغوطة الشرقية، لكن التوتر عاد إليها من جديد، وبدأت تحركات عسكرية أمريكية في منطقة (التنف) بهدف احتلالها، والحؤول دون توحيد الجبهتين السورية والعراقية، وأُمطرت دمشق وضواحيها بقذائف الهاون، وامتد الخرق والتوتير إلى قرى عديدة في جبل الشيخ، وجرى رفع العلم الأمريكي فوق القواعد العسكرية الأمريكية في محيط مدينة الرقة التي اقتحمتها (قوت سورية الديمقراطية) بدعم أمريكي واضح ومعلن عنه.

وبشكل مكشوف أعلنت أمريكا أيضاً أنها بصدد تثبيت وجودها العسكري في شمال شرق سورية، وأنها لن تتخلى عنه حتى إنجاز التسوية السياسية النهائية. ثم بدأت تنكشف وقائع التعاون الأمريكية مع داعش، فقد جرى تهريب قادة داعش بالطائرات المروحية الأمريكية، ويمكن إيراد العديد من الأمثلة الدالة على عدم التزام أمريكا بما صرحت به حول الانخراط بالتسوية وفق القرارات الدولية خاصة القرار 2254 واتفاقات أستانا، ولا بالبيانات المشتركة الموقعة من الجانبين الروسي والأمريكي.

وفي ظل هذه الأجواء، كانت وفود المعارضة السورية تجتمع لكي توحد مواقفها. وعوضاً عن الضغط على أتباعهم لاتخاذ مواقف واقعية من اقتراحات التسوية، التي وافق عليها الروس، فقد انحاز الأمريكيون إلى المواقف (المتشددة) التي تجسدت أخيراً في بيان الرياض ،2 الصادر عن اجتماعات هذه الوفود، وخاصة فيما يتعلق بصميم خيارنا الوطني المستقل، الذي هو الحق في انتخاب هيئاتنا الدستورية، وخاصة منصب رئيس الجمهورية.

وبالرغم من الموقف الصريح والواضح الذي أعلنته سورية، والمتضمن عدم إمكانية القبول بالشرط المسبق للمفاوضات، الذي يؤدي عملياً إلى الخضوع لشروط الإرهابيين والمتشددين، التي لم تقبلها سورية حتى عندما كان الإرهابيون يسيطرون على أجزاء واسعة منها، فهو شرط سيادي يدرك هؤلاء أهميته الحالية والمستقبلية. لذلك فإن من حق بلدنا أن يدافع عن كرامته وسيادته، ومن حق كل سوري أن يقول إنه ليس من أجل ذلك ذهب مئات الآلاف من الشهداء الجرحى.

إننا نحمّل الإدارة الأمريكية مسؤولية هذه المواقف المتشددة لجماعتها في جنيف، ونرى أن الاستمرار بها يهدّد مصير المؤتمر بكامله ويؤدي إلى تعطيل العملية السياسية، وإذا كانت هذه الإدارة تريد- على ما يبدو جلياً- إرضاء المعارضة الخارجية، والاستمرار في استنزاف سورية بالحروب والفتن والتفجيرات هنا وهناك، فإن الشعب السوري، الذي عانى وصمد طوال 7 أعوام، قادرٌ على ترسيخ مفاهيمه حول الحل السياسي، وهو قادر، في الوقت نفسه، على الدفاع عن وطنه.

العدد 1104 - 24/4/2024