«ميسلون» معركة الحرية والكرامة..

وصف الباحث الراحل برهان بخاري معركة (ميسلون) بأنها: (معركة خاسرة عسكرياً ورابحة تاريخياً).

يحتفل الشعب السوري بالذكرى الخامسة والتسعين لمعركة ميسلون (1920 – 2015)، باعتبارها البذرة الوطنية المروية بدماء السوريين وعرقهم، التي أسست للثورات السورية التحررية، وشكَّلت حلقة اتصال بين مرحلتين استعماريتين قبل عام 1920 وبعده، فقد هزم الرجل المريض (الإمبراطورية العثماني) في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، وأصبحت سورية تحت الانتداب الفرنسي وتحت حكم جنرالات فرنسا تنفيذاً لـ(سايكس بيكو).

أصبحت ميسلون حكاية وطن.. معركة العزة والحرية والكرامة.. تعبّر بمجرياتها ووقائعها وبداياتها ونتائجها وما حملت من دلالاتٍ ومعانٍ، أنها معركة الوطن كله من أقصى الشمال إلى جنوب سورية ومن البادية إلى البحر المتوسط غرباً.

قصة ميسلون ليست حكاية عادية يحفظها التلاميذ ويتناقلها الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء، بل هي صفحات من التضحيات مهَّدت لمرحلة من الانتصار على دولة قوية آنذاك (عسكرياً واقتصادياً وثقافياً) مثل فرنسا. وتقف في خندق المواجهة دولة متخلفة مثل (سورية) نفضت عنها غبار الاستعمار العثماني بعد أربعة قرون ونيّف من الظلم والاستبداد والاستغلال ولم تسترح بعد، حينما دخل الملك فيصل في صراع مع فرنسا وانتهى بعزله في 28 حزيران عام 1920.

لقد كانت النتائج واضحة في معركة ميسلون لصالح الجيش الفرنسي. فالمقاومون السوريون البالغ عددهم حسب بعض التقديرات 3000 مقاوم، حملوا العصي والسيوف والسكاكين والخناجر والأسلحة الخفيفة، لمواجهة جيش جرار مسلّح بالطائرات والدبابات والمدافع ومجهّز بالإمدادات الكاملة. فالهدف واضح تماماً، الدفاع عن دمشق وعن سورية مهما كان الثمن. وقد ساند الملك فيصل يوسف العظمة عندما أصرّ العظمةَ على دخول المعركة، رغم تحفظه في البداية على الاشتباك مع الجيش الفرنسي بقيادة هنري غورو، لعدم التكافؤ في القوى والأعداد، ولغدر الفرنسيين وعدم الالتزام بوعودهم للملك فيصل بعدم دخولهم سورية.

وفي حزيران عام 1920 ، عُيّن عطا الأيوبي وزيراً للداخلية في حكومة علاء أحمد نظام الدين، أثناء حُكم الملك فيصل. وأقام عطا علاقات مع المناضلين الوطنيين السوريين، وكان يموّل الثوار بالأموال ويزوّدهم بالسلاح ويقدّم المعلومات لوضع الكمائن للحاميات الفرنسية. وكان وزيراً أيضاً خلال معركة ميسلون التي استشهد فيها زميله يوسف العظمة وزير الحربية، ابن دمشق الولود بحي (الصمادية/ الشاغور) الذي تعلّم في مدارس الرشدية العسكرية في جامع (يلبغا) بحي البحصة وفي جامع (تنكز).. وتخرج في المدرسة الحربية برتبة ملازم ثان، ثم انتقل لمدرسة الأركان وتخرّج برتبة (يوزباشي) أركان حرب.

وعندما عاد الأمير فيصل من أوربا واجتمع مع الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في بيروت، شكا له غورو من يوسف الذي أصبح ذا نفوذ عظيم في الساحل وأصبح مرجعاً محترماً للأهالي.. وقال غورو: إن يوسف رجل ممتاز جداً وأقدر ضباط الأركان حرب في سورية.. فلماذا لا نستفيد منه في الداخل؟

وكان غورو يقصد من هذا المديح إبعاد يوسف إلى بيروت.. ولهذا نُقل إلى دمشق وعُيّن رئيساً لمرافقي الملك فيصل بعد إعلان الملكية. وعندما اتّضح لحكومة فيصل نيَّات الفرنسيين عُيّن يوسف العظمة رئيساً لأركان حرب الجيش العربي برتبة قائم مقام، ثمَّ وزيراً للحربية برتبة زعيم (أميرالاي) بعد البيعة لفيصل ملكاً على سورية.

وقبل انتهاء الهدنة بنصف ساعة من صباح 24 تموز 1920 ركّز الفرنسيون مدافعهم على قمم الجبال ورشاشاتهم على سفوحها، فتأثر يوسف العظمة من تصرفات العدو وأمر الفريق حسن الفقير أن تخرج المدافع من أماكنها المستورة وأن توجه نيرانها إلى مدافع العدو.

لقد كانت معركة ميسلون بداية انطلاق الثورات في مدن سورية وأريافها، وخطوة أخرى أسست للثورة السورية الكبرى التي قادها مناضلون وطنيين، ظلّوا يقارعون الجيوش الفرنسية، بدعم من الشعب السوري والقوى الوطنية ومن البرجوازية السورية الناشئة، إلى أن تحقق الجلاء واستقلت سورية وأصبحت دولة ذات سيادة.

ونحن نحتفي بهذه المناسبة الوطنية لا بدّ من التذكير بهذا المقطع من قصيدة للشاعر عمر أبو ريشة:

كم لنا من ميسلون نفضت ..|.. عن جناحيها غبار التعب

من نضال عاثر مصطخب ..|.. لنضال عاثر مصطخب

شرف الوثبة أن ترضي العلا ..|.. غلب الواثب أم لم يغلب

العدد 1104 - 24/4/2024