من المنتصر..!

أصبحت الخريطة السياسية أكثر وضوحاً.. وبدأت الأوراق المكتوبة بأقلامهم توقَّع بأختام  شرورهم مدموغة بحبر النفط.. سُمعت أصوات نداءاتهم تردّد صدى أقوالهم وتفكّك طلاسم مخططاتهم: تعالوا نتحاور! تعالوا نستعيد (الحُب الشيطاني)، ونشكل جبهة ضد الإرهاب الذي خرج من بيوتنا ومدننا وعاد إلينا، إمّا جثثاً مصوَّرة متعفّنة يتغلغل الدود في لحمها، أو أنهم قرؤوا أسماء قتلاهم على الجبهات السورية بسلاح الجيش العربي السوري الباسل..

تعالوا أيّها المنتصرون فقد أُصبنا بالكساح السياسي وخنقتنا الأحلام الشوكية.. لقد تكسّرت أجنحة الفينيق وفشلت الرايات السود وشعارات الذل والعار..

رسائل جديدة خرجت طازجة من معمل سياسة التحالف الدولي، وساخنة من أفران السعودية وقطر وتركيا.. حملها (رسل السلام) إلى واشنطن وموسكو،كتبت حروفها بأقلام رؤساء ووزراء وأمراء ووساطات، بعد أن سالت دماء السياح الأجانب على شواطئ بحر تونس وفي الكويت وقرب مخدع هولاند. وفي المقابل لم تهدأ مدافع جهنَّم وما تزال برقيات التهديد الموقعة باسم (داعش والنصرة) تصل تباعاً إلى السعودية والبحرين والولايات المتحدة وأوربا.. وغيرها.

إن صمود الشعب السوري والجيش البطل الذي ما يزال يقدم الشهداء، أفشل مشروع التقسيم وتوزيع الحصص بين أركان التحالف (الدولي والإقليمي). فهذا أردوغان وحزب العدالة والتنمية يستغيثان، ويعلن الإمبراطور العثماني الجديد عن منطقة آمنة أو عازلة على حدوده الجنوبية مع سورية في المساء.. وفي الصباح يشذّب من هيجان الكلام بعد سماعه صوت سيده (أوباما) الذي يعلن باسم التحالف الدولي إن إيجاد منطقة آمنة غير ضروري، ويطمئنه أن الوقت ما يزال مبكراً أو يقصد أنه غير مناسب الآن بمقولة أثبتت  الحياة عدم صحتها بإقامة دولة (داعشية أو كردية على حدوده الجنوبية).

تفككت مفاصل السياسة الإقليمية والدولية بعد تصعيد الإرهاب وانتشار التكفيريين في عشرات الدول وخروج الخلايا النائمة من أوكارها،وذلك قبل أيام من توقيع اتفاقية (النووي الإيراني)، حتى أن السيد (النبيل) قد رمَّم صمته وأعلن بملء فمه دون خجل،  وكأنه نسي خطاباته وتصريحاته منذ أكثر من عامين،  وهو يتوجه إلى موسكو عاصمة الحل السياسي للأزمة السورية، أنه على استعداد للقاء وزير الخارجية وليد المعلم متى يريد.. وهذه مبادرة اعتراف من (النبيل) وتحوّل في المواقف.. ويبدو أنه يسابق الزمن بعد استلام رسالة من أسياده الأمريكيين وموافقة الخليجيين كي يتخلصوا من تورطهم في تخريب اليمن (السعيد)..!

لقد نزلت تصريحات الرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف، كالصاعقة على رؤوس الحاقدين والمخططين في غرف (موك وغازي عينتاب)، والإعلان أمام العالم: (إن روسيا تستمر في الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لسورية).. وترافقت زيارة الوزير المعلم إلى موسكو مع هزيمة ألوف المسلحين وقتل المئات منهم في ما أطلقوا عليه اسم (عاصفة الجنوب) لاحتلال درعا.. هزيمة رادعة نخرت عظام الأعداء حتى النخاع،ولم يحدث لها مثيل خلال السنوات الأربع والنصف الماضية.. وكان هذا حصيلة مباشرة للتحالف والتضامن بين الجيش والمواطنين في جبهات السويداء والحسكة ودير الزور والغاب والساحل وغيرها.

الجديد في السياسة ما كان مختبئاً كما يقولون (تحت الطاولة) بتشكيل تحالف دولي لمحاربة (داعش) يضم (روسيا، أمريكا، وبقية أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين). وعلى المستوى الإقليمي يضم (سورية، السعودية، تركيا، الأردن، العراق..). وهذا الاقتراح أثار استغراب المعلم الذي وصفه ب(المعجزة).. وأبدى المعلم استعداد سورية للتعاون حتى مع هذه الدول في سبيل مكافحة الإرهاب. وفي الوقت ذاته أعرب بوتين للمعلم عن استعداد روسيا لدعم دمشق إذا اتجهت إلى الدخول في هذا التحالف..!

يظلّ السؤال ماثلاً بقوة وينتظر المواطنون والأحزاب الوطنية والتقدمية والتيارات الديمقراطية والمكوّن السياسي والاجتماعي، الإجابة الصعبة عنه بسؤال آخر: كيف يمكن إقامة مثل هذا التحالف مع من سفك دماء مئات ألوف السورين ومن أرجع سورية إلى الوراء عقوداً من الزمن؟

لقد ظهرت مقدمات المبادرة الروسية والمواقف الدولية والإقليمية الجديدة، بعد إجراءات أمريكية بضم ما يسمَّى ب(الائتلاف) إلى قائمة الإرهاب أولاً، وبعد أن شعر الغرب ومجلس التعاون الخليجي بخطر (داعش) وتهديده المباشر ثانياً، وقبيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، واسترداد إيران 13 طناً من الذهب والإفراج عن مليارات الدولارات في المستقبل القريب، بحيث تصبح إيران أكبر قوة في المنطقة دون مزاحمة ثالثاً، وبعد هزيمة أردوغان وحزبه في الانتخابات الأخيرة وعدم تنفيذه خطة التحالف الدولي، والتباينات بين واشنطن وأنقرة في الفترة الأخيرة رابعاً، فشل ما أطلق عليه البيت الأبيض اسم (المعارضة المعتدلة وتدريب خمسة عشر ألف مسلّح خلال سنوات خمس)، وتأكيد مسؤول عسكري أمريكي أن من بين 6000 شخص اختير 100 مسلّح (حسب المواصفات الاستخبارية).. وهذا خامساً.. وكان العامل الأبرز والأهم هو صمود سورية حكومة وجيشاً وشعباً،والتحالف بين المواطنين والجيش في جبهات القتال الذي زعزع أحلام الأعداء في الداخل والخارج. إن هذه العوامل، وعوامل أخرى غير ظاهرة الآن، هي التي حرّكت مياه السياسة الساكنة التي ألقى فيها الرئيس بوتين  حجراً روسياً أحدث هذه الأمواج..!

العدد 1104 - 24/4/2024