تبديد غيوم الصيف يبدأ من موسكو

عندما تفوّض الولايات المتحدة الأمريكية موسكو بإيجاد الحل السياسي للأزمة السورية، فهذا يعني أن اللَّهب الأزرق بدأ يتصاعد من (المطبخ السياسي). ويعني أيضاً أنَّ هناك إحداثيات جديدة في خريطة الطريق، فرضها الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية ميدانياً، وتعزيز التحالف الروسي – الإيراني – السوري، والموقف السوري الذي لن يحيد عن مرتكزات الحل السياسي الـ(سوري – سوري). وعدم نجاح المجموعات المسلحة في تخطّي الخطوط الحُمر. والتأكيد من جديد أن موقف تركيا (الدولة الأطلسية) لم يكن مفاجئاً، فقد كان في البداية (عنيداً) ولم يستجب لتوجهات البيت البيض وإرشادات أوباما وما تحمله من تهديد مبطَّن، لكنَّ الواقع غير ذلك تماًماً.وتبيّن مؤخراً أن تركيا رضخت للدخول في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة (داعش)، لأسباب ضاغطة تمسّ جوهر السياسة الداخلية، ومن أبرزها: الأزمة المتفاقمة التي تتصاعد بعد فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة، وتحديد موعد الانتخابات التشريعية المبكّرة، ومحاولة تعويض حزب أردوغان عن خسارته الكبيرة، وسعيه لاستمالة بعض أحزاب المعارضة إلى جانبه، للمشاركة في تشكيل حكومة بأغلبية من حزبه، إضافة إلى الحراك السياسي الداخلي المستمر الذي تقوده قوى المعارضة، وتهديد حزب العمال الكردستاني بإعلانه الإدارة الذاتية في إحدى عشرة محافظة تركية معظم سكانها من الأكراد.

لقد تبنّت روسيا والدول الأعضاء الـ ،14 خطة مجلس الأمن للسلام في سورية، وسيتمّ البدء بتنفيذها في شهر أيلول. وعبّرت موسكو عن أملها بتشكيل مجموعات عمل حول التسوية في سورية تهتم بأربعة مجالات هي: (المجالات السياسية والإنسانية والأمنية، والحفاظ على المؤسسات العامة كي لا تتفكك، أو تنهار الأجهزة والهياكل الحكومية، ولا تنزلق البلاد في الفوضى، ومكافحة الإرهاب، وإعادة الإعمار).

أصبحت موسكو (المفوَّضة) تشكل مركزاً استقطابياً رئيساً. وقد توافد إليها رؤساء وملوك ومسؤولون حكوميون، وأجنحة وتيارات من المعارضات المختلفة في توجهاتها ومواقفها من الأزمة السورية، وذلك لعقد (موسكو 3) وتعبيد طريق الحل السياسي بين موسكو وجنيف.

السؤال: هل تستطيع روسيا التي أثبتت طيلة أربع سنوات والنصف للأزمة السورية أن تحقق النجاح، رغم ما تقوم به الولايات المتحدة من إيجاد المبررات أو (تصنيع) المعوقات ووضع الحواجز في طريق الحل السياسي؟

من مراقبة السياسة الأمريكية تبين أنها لن تتخلّى عن سياسة (المكيالين)، ولن تتخلّى أيضاً عن خنجرها في طعن (خاصرة أي حل سياسي). وقد أعلنت على لسان وزير خارجيتها (استبعاد الحل العسكري والإصرار على الحل السياسي).. إلى هنا لا غبار على هذا الموقف..! ولكن إصرارها على (حل سياسي لا يشمل الرئيس بشار الأسد) هو محاولة منها لإيجاد الشرخ في الموقف الروسي، الإيراني، السوري، ومن يؤيد الحل السياسي دون أي تدخل خارجي وبأيدي السوريين.

لقد تعزز موقف موسكو السياسي لحل الأزمات في سورية ومنطقة الشرق الأوسط وإخماد بؤر التوتر والفكر الظلامي ولإحلال السلام والحفاظ على استقلال الدول وسيادتها، خاصة بعد زيارة الملك الأردني والرئيس المصري ونائب حاكم ظبي.. وتحديد مواعيد للقاء وفود من المعارضات المتباينة في مواقفها.. وأبرز لقاءات موسكو كانت بين الرئيسين (بوتين والسيسي). فقد أكَّدا الشراكة الاستراتيجية، وتوافقا بشأن الملفات الإقليمية، وتشكيل جبهة واسعة ضد الإرهاب ضمنها سورية، والتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية على قاعدة وثيقة جنيف. وفي مقابل هذه الخطوات الهامة، ازداد القلق التركي من النتائج الإيجابية للزيارة ومن التعاون الاقتصادي بين روسيا ومصر، إذ تقدَّر خسارة تركيا بـ 3 مليارات دولار، بعد أن بلغت الصادرات التركية 8,7 مليارات دولار.

وعبرت واشنطن عن قلقها أيضاً بالقيام بعملين استفزازين ضد روسيا هما:

أولاً – نشر أسلحة أمريكية ثقيلة في بولندا.

ثانياً – إقامة مركز تدريب لـ (الناتو) في جورجيا.

ولن تقف روسيا مكتوفة الأيدي وتتفرّج على ما يجري وما تقوم به واشنطن، من توتير العلاقات ليس في روسيا فقط، بل في دول عدة. وردّاً على هذا الموقف أعلن الرئيس بوتين عن نشر أكثر من 40 صاروخاً عابراً للقارات قبل نهاية السنة.

إنَّ غيوماً كثيفة تخيّم فوق الشرق الأوسط، خاصة فوق سورية والعراق واليمن، ستبددها رياح السياسة الروسية المبدئية، من خلال البحث الدائم عن بدائل سياسية ناجحة،  واستخدام لغة الحوار بدلاً من لغة القذائف والصواريخ وصبّ البنزين على حطب الأزمات.. إيجاد الحل السياسي لحل أزمات المنطقة.. وأن يسود السلام وتوسيع التحالف الإقليمي والدولي لمحاربة الإرهابيين وتجفيف منابع الإرهاب ومصادر تمويله.«

العدد 1104 - 24/4/2024