أكتوبر بين الحنين والواقع

 لن تموت ذكرى أكتوبر (1917-2015)، وما تزال روسيا التي أنجبت قائد ثورة أكتوبر فلاديمير. إ. لينين، تحيي هذه الذكرى في الساحة الحمراء قرب ضريح لينين، وفي المدن الروسية وفي عشرات البلدان في القارات الخمس.

إن هذه الغرسة التي يقترب عمرها من مئة عام، لن تسقط أوراقها الخضراء رغم السباق الرأسمالي الإمبريالي العالمي في خريف يحصد الإرهاب الدولي فيه الكثير من مواسم الخير والأمن والسلام.

كثيرون من الأفراد والجماعات والدول والأعداء كانوا في مقدمة الدارسين والشامتين، بالانكسار الذي أصاب الاتحاد السوفييتي عام ،1991 والذي أنهى حرباً باردة امتدت لعقود من الزمن، وأدت إلى سباق التسلّح العالمي وتهديد العالم بحرب عالمية ثالثة.. لكن هذا لم يحصل..!

اليوم.. يمتد خيط النور من موسكو إلى دمشق.. وتزداد عُرى الصداقة بين سورية وروسيا الاتحادية (الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي السابق)، من الناحيتين الجغرافية والديموغرافية.أما من ناحية التعددية السياسية التي كانت قبل عام 1991 فقد كان (محجوراً عليها).. وأصبحت أحزاب شيوعية بتسميات متقاربة في الشكل ومتباينة في توجهاتها الإيديولوجية والسياسية، بديلاً عن حزب لينين، وبدلاً من الاتحاد السوفييتي الشيوعي وبلد لينين العظيم، غدت روسيا الاتحادية دولة رأسمالية متطورة ومنافسة لأكبر دولة رأسمالية في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية، تجاورها وتشاركها في الحدود دول انفصلت عن جسد بلاد أكتوبر وأصبحت تشكل كيانات مستقلة (صغيرة وكبيرة).

إن الاحتفاء بالذكرى الـ 98 لثورة أكتوبر الاشتراكية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، وفي ظل أزمة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وانقسام عالمي وصراع بين من يريد السلام ومناصرة الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وحريتها في اختيار السلطة وانتخاب المؤسسات التشريعية، ومن يؤجج حالات الانقسام وإثارة الفتنة الطائفية والقومية.

بعد رحيل الاتحاد السوفييتي بأربعة وعشرين عاماً، وبعد ثمانية وتسعين عاماً على ولادة أول ثورة اشتراكية حققت جزءاً كبيراً من مطالب العمال والفلاحين، ما تزال الألسنة الكثيرة من بعض من كان يؤيد أكتوبر ويهتف ويغني لأكتوبر، من الذين (شَرَدوا) وغيّروا اتجاه الطريق أولاً، ومن الإمبريالية العالمية ومن يلتحق بها من حاقدين ورجعيين وأذناب ثانياً، ما تزال هذه الذكرى العطرة تجدد خلايا الذاكرة الشعبية العالمية وفقراء العالم، وتبعث الحنين إلى ثورة غيّرت وجه العالم وسجّلت صفحات مشرقة في تاريخ البشرية، رغم السلبيات الظاهرية والخفية في باطن الأحداث وسياق التطور والممارسة اليومية.. وهذا لا يعيب بلاد أكتوبر وثورة قدّمت المساعدات الاقتصادية للدول النامية، في أكبر ثلاث قارات، وأسست لها بنية تحتية وقاعدة رئيسة للتنمية، وذلك من أجل استكمال استقلالها السياسي والحفاظ على سيادتها والنهوض بها وازدهارها.. ولن تموت ثورة أكتوبر.. ولن تُدْفن كما يدّعي أعداء التحرر من الاستغلال والاضطهاد في (مقبرة التاريخ).

ويحتفي حزبنا الشيوعي السوري الموحد بهذه المناسبة، وتعبّر صحيفته عن هذه الذكرى دون أي مظاهر زينة احتراماً لشهداء الوطن وتقديراً لهذه الدماء القانية التي تروي أرض سورية، وذلك تعبيراً عن التقدير لهذه الثورة التي كان لقائدها لينين السبق والفضل في مراسلة قادة الثورات التحررية السورية.. وقدّمت بلاد أكتوبر الكثير الكثير لسورية وللشعب السوري.. وكانت النصير والحليف لسورية على الأرض وفي السماء، في حرب تشرين التحريرية ضد العدو الصهيوني وضد جحافل الإرهابيين. ولا بدَّ أن هذه المناسبة تفتح نافذة على تاريخ ماضٍ، ومن الواجب الوطني والأممي أن نستعيد بعضاً منه ولو بسطور قليلة.

لقد كان مئات ألوف المتظاهرين في أيار وحزيران عام  1917 يملؤون شوارع بطرسبورغ، التي تصاعدت حدّتها، وانضمّ إليهم عشرات الألوف من العمال والجنود والكادحين، واجتاحت المظاهرات العاصمة موسكو أيضاً، وقد لبَّت الطبقة العاملة الوليدة نداء البلاشفة ونفّذوا إضراباً ضمّ أكثر من نصف مليون عامل بمساندة التمرّد العسكري. وغيَّرت أكتوبر مجرى التاريخ منهية إمبراطورية عريقة، وشطبت من السجلات (أعتى وأعرق) حكم قيصري.

يعتبر أكتوبر من أكثر الأحداث إثارة للجدل، في التاريخ الحديث في مطلع القرن العشرين.. السؤال: هل غاب أكتوبر؟ وهل كانت الثورة زائراً مؤقتاً، أم أن تأثيرها ما يزال يتداعى في ذاكرات الملايين ويتوارد في أحلام المستقبل؟ وماذا نقول اليوم ونحن في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في الوقت الذي لا نريد أن نكون طوباويين ونبني المدينة الأفلاطونية على الرمال؟

العدد 1104 - 24/4/2024