هيجان داعش ودخان فيينا الأبيض

 استقطبت فيينا منذ شهر أطرافاً إقليمية ودولية وتوافقاً على مشاركة وفد إيراني، رغم رفض بعض الدول لهذه المشاركة.. ولأول مرة يجلس الإيرانيون والسعوديون على طاولة واحدة، ويستمع العالم للتصريحات النارية للجبير ممثل السعودية، ولا ينقصه إلاَّ (قنَّاصة نفطية) كي يقنص أية قرارات إيجابية واتفاقات دولية لوضع حدّ للأزمة السورية.. إنه وبعض مؤيديه من رموز(ألغاز) من الذين يضعون العصي في دولاب أية عربة، تطلق زمور الإنقاذ والإعلان عن حل سياسي عادل يتفق عليه الجميع، وذلك للخروج من هذا النفق المظلم وقطع حبل الإرهاب ومحاربة الجماعات الإرهابية أينما كانت وتجفيف منابعها ومصادر تمويلها..!

لقد تحرّك قطار السياسة قبل نهاية هذا العام وقطع مسافات ليست قليلة، واجتاز محطات لأسباب كثيرة غَدَت معروفة، ومن أبرزها: الدور الروسي والسياسة الروسية المدروسة بعنايةِ زعيم الدبلوماسية الروسية الوزير لافروف والمواقف الحازمة للرئيس بوتين، والتنفيذ الفوري لقتال المنظمات الإرهابية ومحاربتها على مساحة سورية. وهو الذي ملأ سماء سورية بالطائرات الحربية، في الوقت الذي لم تظهر نتائج إيجابية للتحالف الدولي، في محاربة (داعش والنصرة) في سورية والعراق طيلة عام.

وتعززت قرارات فيينا بالتأييد الإقليمي والدولي، باستثناء مواقف مملكة الرمال التي يصرّ أمراء النفط فيها على إبادة الشعب السوري وفناء الدولة السورية ومسحها من الوجود، واستمرار بعض الهزَّات السياسية التي ما يزال السيد هولاند يؤكد ويركّز عليها- رغم تفجيرات باريس التي هددت العالم أجمع. والأمر الآخر، تلك الهزائم التي ألحقها، على الأرض، الجيش العربي السوري الباسل وسلاح الجو الروسي – السوري، الذي أحدث تغيرات جوهرية في خطط وبرامج المسلحين الإرهابيين.. وأحدث تعديلات جوهرية في مواقف معظم الدول الأوربية.. وعززت لقاءات فيينا تقارب المواقف التي كانت سابقاً متناقضة، وأعطت ثماراً ربما ماتزال بحاجة إلى انتظار أكثر لقطف نتائجها وتذوّق حلاوتها، لكنها كانت مؤشرات إيجابية، لكن يبدو أن تنفيذها سيتأخر بسبب وضع العقبات وتجميع العثرات من جديد وتضييق الطريق الواصل إلى العاصمة النمساوية، مما يشكل ازدحاماً في تعدد التصريحات وتنوعها وتعديل بعض المواقف وجنوحها، إما نحو السلبية لإجهاض الحل السياسي للأزمة السورية، وإما العمل الجاد واتخاذ خطوات أكثر صوابية، وأكثر واقعية ومناقشة المبادرة الروسية للوصول إلى الحل السياسي المنشود، بما يحقق الحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية وسيادتها، وأن الشعب السوري هو المخوَّل الوحيد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه بنفسه دون وصاية أو هيمنة أو تدخل، وأن توجه البنادق والقذائف نحو المجاميع الإرهابية كي تهزمها وتدمر أوكارها وتطهر الأرض السورية من هذه الجراثيم.. وتعقيم بعض النفوس المريضة والمروَّضة، التي كانت تنتظر ساعة الصفر للانقضاض على الدولة السورية والشعب السوري.

يؤكد البصريون والمتخصصون برؤية الطريق ومعرفة تضاريسه، أن الرؤية بعين واحدة تبعث التشاؤم ولا تحقق الهدف، وصاحبها يرى من زاوية واحدة.. أما الرؤية بعينين فتكون أكثر كشفاً ودقة ومعرفة، والسمع أيضاً بأذنين سليمتين من التشوّه، والإصغاء إلى ما يقوله العقل الذي يُصْدر في النهاية حكمه بحكمة.. كلّ هذا يحتاج إلى رؤيا غير غائمة ونور يبدد الضباب إن وجد قبل أن يتحوَّل إلى أشواك واخزة ومؤلمة ودامية.

إن الضحايا من جرّاء التفجير في فرنسا وقبلها تفجير الطائرة الروسية في سيناء وقبلها أيضاً التفجير في الضاحية الجنوبية في بيروت.. وتهديد داعش لإيطاليا ولبابا الفاتيكان وللولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، قد جاء تمهيداً أو مقدمة لتسريع اللقاءات ومشاركة أطراف أخرى كانت مُبْعدة في السابق، والبحث الجدّي للمبادرة الروسية التي وقَّعت عليها معظم الأطراف، وتحديد زمن محدد للحوار ولتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات تشريعية، دون أن يتطرَّق أيٌّ من الجتمعين للرئيس بشار الأسد أو يحددوا شروطهم الخبيثة.

إن ما يجري على الأرض وفي الميدان والسماء، هو في النتيجة الذي يحدد اتجاه المسار السياسي، ويصحح التوجه الخاطئ.. وكانت موسكو قد تقدَّمت بتاريخ 18 ت2 بصيغة جديدة لمشروع قرارها حول محاربة داعش.. ويؤكد المشروع ضرورة الأخذ بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تخوّل الدول الدفاع عن نفسها، كما يشدد على أهمية التعاون مع حكومات الدول التي تُدار على أراضيها عمليات مكافحة الإرهاب.. وشدد سفير روسيا في الأمم المتحدة على ضرورة أن تلعب سورية دوراً في التصدّي للتنظيمات الإرهابية.

العدد 1102 - 03/4/2024