الأوربيون في مواجهة ترامب

خرج القادة الأوربيون من اجتماعهم في العاصمة البلغارية صوفيا، متوافقين على (مقاربة موحدة) إزاء سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمّنت إقرار اتخاذ خطوات عملية للمواجهة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر أوربي أن قادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأوربي اتفقوا على الاستمرار في دعم الاتفاق النووي مع إيران والحفاظ عليه، (مادامت إيران مستمرة في احترامه). والأهم في ما نقله المصدر أن المجتمعين في صوفيا أقروا (بدء أعمالهم لحماية الشركات الأوربية من القرار الأمريكي). وزاد المصدر أن الأوربيين سيقومون في الوقت نفسه بالرد (على المخاوف الأمريكية حيال الدور الإقليمي لإيران وبرنامجها للصواريخ الباليستية).

تحاول أوربا ترجمة سخطها على قرارات الولايات المتحدة المتفردة، وآخرها الانسحاب من الاتفاق النووي، بخطوات محدودة تؤكد بها تحييد مصالحها عن السياسات الأمريكية. وقد أظهرت قمة الاتحاد الأوربي في العاصمة البلغارية، أمس، رؤية أوربية جامعة تجاه المحافظة على الاتفاق النووي، من خلال العودة إلى (قانون التعطيل) الذي يشكك الخبراء في فاعليته أمام إجراءات واشنطن العقابية.

وعلى هامش اجتماع العاصمة البلغارية، أجرى قادة الدول الأوربية الموقعة على الاتفاق النووي، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، اجتماعاً لبحث قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الجديدة على إيران. ووفق متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، فإن ماي وكلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اتفقوا على (التزامهم الصارم بضمان الإبقاء على الاتفاق، وأكدوا أهميته لأمننا المشترك)، وتعهدوا (بالعمل مع العديد من أطراف الاتفاق من أجل تحقيق ذلك).

كل هذه الاتصالات والمشاورات أفضت إلى اتفاق أوربي على بدء الأخذ بإجراءات تحمي الشركات الأوربية التي تريد العمل في إيران، والتصدي للعقوبات الأمريكية. ولهذا الغرض، كشف رئيس المفوضية الأوربية، جان كلود يونكر، في اختتام قمة صوفيا، أنه سيتم إطلاق (قانون التعطيل) ابتداءً من اليوم الجمعة. ويقصد يونكر بـ(التعطيل) الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوربي عام 1996 لمواجهة عقوبات أمريكية ضد عدد من الدول، في مقدمها كوبا، وهو أداة تتيح للشركات والمحاكم في أوربا أن لا تخضع لقوانين تتعلق بعقوبات اتخذتها بلدان من خارج الاتحاد، وعدم تطبيق أي حكم مقرر من محاكم أجنبية بناء على قوانين العقوبات هذه.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جينتيلوني، على هامش قمة صوفيا: (اتفق قادة الاتحاد (الأوربي) على بلورة أدوات لحماية الشركات الأوربية التي تستثمر في إيران بناء على الاتفاق (النووي) من العقوبات الأمريكية)، من دون أن يشير إلى تفاصيل أكثر بخصوص الإجراءات وطبيعتها. إلا أن جينتيلوني أكد أن الاجتماع تمخض عنه (توافق سياسي قوي جداً بين جميع دول الاتحاد الأوربي). واكتفت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أثناء وجودها في صوفيا، بالقول لوسائل الإعلام إن (كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي لا تزال تدعم هذا الاتفاق على رغم قرار الولايات المتحدة بعدم دعمه. سنواصل محادثاتنا مع الولايات المتحدة). أما رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، فقد عبّر بوضوح أكثر عن السخط الأوربي على سياسات التفرد الأمريكية، معتبراً أن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي (أمر سخيف)، فواشنطن (تقوم بأعمال… بمفردها، من دون النظر إلى حلفائها، وهذا سيئ).

وبحسب تعليقات عدة من خبراء على إطلاق (قانون التعطيل)، فإن التسوية الأوربية مشكوك في فاعليتها، نظراً إلى أن الحالة الكوبية كانت مختلفة، وبقيت في الإطار السياسي، ولم يُختبر الجانب التجاري منها بالقدر الكافي. إذ يرى البعض أن تأثيرها (يمكن أن يكون رمزياً أكثر منه اقتصادياً). وفي حال استمرت المواجهة الأوربية لقرار ترامب بالمستوى الخجول، فإن الخسارة التي بدأت تظهر على سوق الاستثمارات في إيران ستكون خسارة مزدوجة بالمنظار الأوربي، من خلال حلول الشركات الصينية مكان الاستثمارات الأوربية، بالتالي زيادة نفوذ بكين في المنطقة على حساب المصالح الغربية، كما بدأ يحذر دبلوماسيون أوربيون. وعبّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس، بصراحة عن هذه المخاوف، محذراً من أن (العواقب غير المباشرة للقرار الأمريكي ستعزز موقعي روسيا والصين في المنطقة وبالتالي شركات البلدين). وقال ماكرون إن (أولويتي هي القيام بكل ما يمكن لانفتاح المجتمع الإيراني)، محاولاً التأكيد أن (المصالح التجارية) ليست أولوية، مضيفاً أن (المسألة أولاً جيوسياسية. لن نصبح حلفاء لإيران ضد الولايات المتحدة. ولن نشن حرباً تجارية مع الولايات المتحدة في شأن إيران، كما لن نفرض عقوبات مضادة على شركات أمريكية).

مخاوف سرعان ما بدأت تتحقق، وأولى ترجماتها كان حلول الشركة الصينية الوطنية للنفط (سي أن بي سي) محل شركة (توتال) الفرنسية التي ألغت مشاركتها في المرحلة 11 من مشروع (حقل بارس) للغاز جنوب إيران، إضافة إلى تنفيذ موسكو وعدَها بتوقيع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي اتفاقاً مع إيران يهدف إلى إقامة منطقة للتبادل الحر. وأعلن وزير النفط الإيراني، بيجان زنغنة، أمس، أن الشركة الصينية ستحلّ محل (توتال) التي أكدت أنها لن تواصل أنشطتها (إذا لم تحصل على إعفاء من قبل الولايات المتحدة)، مشيراً إلى أن طهران لن تتحمل خسائر (توتال)، وهي نفقات بعشرات ملايين الدولارات. وألمح الوزير الإيراني إلى أنه في حال انسحاب الشركة الفرنسية أيضاً، فإن المشروع لن يتوقف بل ستواصله شركة (بتروبارس) الإيرانية. وانضمت، أمس، مجموعة (ميرسك تانكرز) الدنماركية إلى (توتال) في إبداء نية إيقاف الأنشطة في إيران، التي تتضمن تنفيذ اتفاقات مبرمة لتصدير منتجات نفطية واستيرادها. ولفتت المجموعة إلى أنها ستعمل على إنجاز اتفاقاتها بحلول الرابع من تشرين الثاني (كما تفرض العقوبات الأمريكية).

العدد 1102 - 03/4/2024